للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في بعض المواضع بالليل؛ ليتحقق الأمن فيه من الفتنة والفساد، كما تقدّم في بعض روايات ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-.

وبهذا يمنع استدلال بعضهم في المنع مطلقًا في قول عائشة -رضي اللَّه عنها-؛ لأنها علّقته على شرط لم يوجد، فقالت: "لو رأى لمنع"، فيقال عليه: لم ير، ولم يمنع، على أن عائشة -رضي اللَّه عنها- لم تُصَرِّح بالمنع، وإن كان ظاهرُ كلامها يقتضي أنها ترى المنع.

وأيضًا فالإحداث لم يقع من الكلّ، بل من بعضهم، فإن تعيّن المنع فيكون في حقّ مَن أحدثت، لا في حق الكلّ.

والحاصل أن الإحداث وإن وقع لم يقع في جميع النساء، فلا ينبغي تعميم المنع، بل يُقتصر في اللاتي أحدثن، فيمنعن من الخروج إلى المساجد، واللَّه تعالى أعلم.

وقال الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وقد تمسك بعضهم في منع النساء من المساجد مطلقًا بقول عائشة هذا، وفيه نظر؛ إذ لا يترتب على ذلك تغير الحكم؛ لأنها علّقته على شرط لم يوجد في زمانه -صلى اللَّه عليه وسلم-، بل قالت ذلك بناءً على ظنّ ظنته، فقالت: "لو رأى لمنع"، فيقال عليه: لم ير، ولم يمنع، وظنها ليس بحجة. انتهى (١).

(قَالَ) يحيى بن سعيد الأنصاريّ الراوي عنها (فَقُلْتُ لِعَمْرَةَ: أَنِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُنِعْنَ الْمَسْجِدَ؟) بهمزة الاستفهام، وبناء الفعل للمفعول (قَالَتْ) عمرة (نَعَمْ) أي منُعن منه.

قال في "الفتح": قول عمرة "نعم" في جواب سؤال يحيى بن سعيد لها يظهر أنها نقلته عن عائشة -رضي اللَّه عنها-، ويَحْتَمِل أن يكون عن غيرها، وقد ثبت ذلك من حديث عروة، عن عائشة -رضي اللَّه عنها- موقوفًا، أخرجه عبد الرزّاق بإسناد صحيح، ولفظه: "قالت: كان نساء بني إسرائيل يتّخِذن أرجلًا من خشب، يتشرّفن للرجال في المساجد، فحرّم اللَّه عليهنّ المساجد، وسُلّطَت عليهنّ الحيضة".


= تَفِلة، ومِتْفَال، قاله في "عمدة القاري" ٦/ ٢٢٨.
(١) "نيل الأوطار" ٣/ ١٦٢.