تَعِبَ أيضًا: إذا سبق إليه، كما في قوله تعالى:{وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}[طه: ٨٤]، فيكون التقدير: إلى أخذه، واللَّه تعالى أعلم.
ثم عَلَّلَ النهي عن الْعَجَلَة بقوله:({إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧)}) ثم فسّره بقوله: (إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ، وَقُرْآنَهُ) بالنصب عطفًا على "أن نجمعه؛ لأنه في تأويل المصدر، أي إن علينا جمعه في صدرك، وقرآنه، والمراد بالقرآن هنا معناه المصدريّ، أي القراءة، ولذا فسّره بقوله:(فَتَقْرَؤُهُ) أي إن علينا قراءته.
({فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨)} قَالَ) ابن عبّاس -رضي اللَّه عنهما-، موضّحًا معناه:(أَنْزَلْنَاهُ) يعني أن معنى {قُرْآنَهُ} أنزلناه على لسان جبريل -عليه السلام-، فقرأه عليك (فَاسْتَمِعْ لَهُ) أي ومعنى: {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} استمع إلى قراءة جبريل -عليه السلام-، فالقرآن هنا أيضًا بمعنى القراءة.
قال ابن كثير -رَحِمَهُ اللَّهُ-: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} أي إذا تلاه جبريل -عليه السلام-، ففيه إضافة ما يكون عن أمر اللَّه تعالى إليه {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} أي فاستمع له، ثم اقرأه كما أقرأك. انتهى.
({إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}) أي ثمّ إن علينا (أَنْ نُبَيِّنَهُ بِلِسَانِكَ) وقيل: معناه: إن علينا تفسير ما فيه من الحدود، والحلال والحرام، قاله قتادة، وقيل: إن علينا بيان ما فيه من الوعد، والوعيد، وتحقيقهما، ذكره القرطبيّ (١).
والأَولى تفسير البيان بما يعمّ هذا كلّه، وقد ذكرت في "المنحة الرضيّة شرح التحفة المرضيّة" توضيح ذلك، وحاصله أن البيان يُطلق على التبيين الذي هو مصدر بَيّن، وهو فعل المبيِّن، ويُطلق أيضًا على ما حصل به التبيين، وهو الدليل، والمراد به كلُّ ما يُزيل الإشكال، فيدخل فيه التقييد، والتخصيص، والنسخ، والتأويل، ويُطلق أيضًا على متعلَّق التبيين، وهو المدلول، أي المبَيَّنُ -بالفتح- وعلى محلّه أيضًا، ويُطلق البيان على كلّ إيضاح، سواء تقدّمه خفاء وإجمالٌ أم لا، فالبيان تارةً يكون ابتداءً، وتارةً يكون بعد إجمال. انتهى.
وكلّ هذه المعاني تشملها هذه الآية، وإلى هذا أشرت في "التحفة المرضيّة"، حيث قلت: