وقال بعضهم: معناه: "رُبَّما"؛ لأن "من" إذا وقع بعدها "ما" كانت بمعنى "ربما"، قاله الشّيرازيّ، وابن خروف، وابن طاهر، والأعلم، وخَرّجوا عليه قول سيبويه:"واعلم أنهم مما يحذفون كذا"، وأنشدوا قول الشاعر [من الطويل]:
وقال الكرمانيّ: أي كان العلاج ناشئًا من تحريك الشفتين، أي مبدأ العلاج منه، أو بمعنى "مَنْ"؛ إذ قد تجيء للعقلاء أيضًا، أي وكان ممن يحرك شفتيه.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: كون "ما" هنا بمعنى "مَن" هو التوجيه الوجيه، وأما قوله -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "كان العلاج. . . إلخ"، فلا يخفى بُعده، فتأمله، واللَّه تعالى أعلم.
زاد في الرواية التالية:"فقال لي ابن عباس: أنا أُحَرِّكهما كما كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُحَرِّكهما، فقال سعيد: أنا أُحَرِّكهما كما كان ابن عباس يُحَرّكهما، فحَرَّك شفتيه"، وسيأتي شرحه هنا -إن شاء اللَّه تعالى-.
(فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ) ببناء الفعل للفاعل، وفاعله ضمير التحريك المفهوم، أي يشقّ عليه -صلى اللَّه عليه وسلم- تحريكه شفتيه (فَكَانَ ذَلِكَ) أي كونه يشتدّ عليه التحريك (يُعْرَفُ مِنْهُ) ببناء الفعل للمفعول، يعني أنه يعرفه من رآه؛ لِما يظهر على وجهه وبدنه من آثاره، كما قالت عائشة -رضي اللَّه عنها-: "ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه، وإن جبينه ليتفصّد عَرَقًا"(١).
(فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ}) الضمير عائد على القرآن، وإن لم يَجْرِ له ذكرٌ، لكن القرآن يُرشد إليه، بل دلّ عليه سياق الآية، أي لا تعجل بقراءة القرآن ما دام جبريل يقرؤه.
({لِتَعْجَلَ بِهِ} أَخْذَهُ) أي لتأخذه على عَجَلة، يقال: عَجِلَ عَجَلًا، من باب تَعِبَ، وعَجَلَةً: إذا أسرع، وحَضَر، فيكون قوله:"أخذه" منصوبًا بنزع الخافض، أي في أخذه، ويَحْتَمِل أن يكون من عَجِلَ إلى الشيء، من باب