قال الجامع عفا اللَّه عنه: حمل البيان على معنى استمرار حفظه فقط بعيد، فالأولى حمله على ما يعمّه، وجميع أنواع البيان، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.
وقال الآمديّ: يجوز أن يراد بالبيان الإظهار، لا بيان المجمل، يقال: بيان الكوكب: إذا ظهر. قال: ويؤيّد ذلك أن المراد جميع القرآن، والمجمل إنما هو بعضه، ولا اختصاص لبعض بالأمر المذكور دون بعض.
وقال أبو الحسين البصريّ: يجوز أن يراد البيان التفصيليّ، ولا يلزم منه جواز تأخير البيان الإجماليّ، فلا يتمّ الاستدلال.
وتُعُقّب باحتمال إرادة المعنيين: الإظهار، والتفصيل، وغير ذلك؛ لأن قوله:{بَيَانَهُ} جنس مضاف، فيعُمّ جميع أصناف البيان، من إظهاره، وتبيين أحكامه، وما يتعلّق بها، من تخصيص، وتقييد، ونسخ، وغير ذلك. انتهى (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي حققه في "الفتح" أخيرًا هو الحقّ.
وحاصله أن المراد بقوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (١٩)} جميع أنواع البيان، من جهة لفظه، ومن جهة معناه، وحمل الآية على بعض أنواع البيان دون بعض تحكّم، لا دليل عليه، فيكون لفظه محفوظًا لديه لا يغيب عنه شيء حتى يبلّغه، فمتى أراد تبليغه استطاع أداءه كما سمعه من جبريل -عليه السلام-، كما يكون معناه ظاهرًا لديه ظهورًا لا خفاء فيه، وإذا أراد بيان أحكامه أراه اللَّه تعالى ما أراد منه، وتكون دلالاته كلها ظاهرة لديه متى أراد بيانها للناس استطاع، فهو يعلم تفصيل مجمله، وتقييد مطلقه، وتخصيص عامّه، وناسخه من منسوخه، وغير ذلك من أنواع الدلالات.
وأما مسألة تأخير البيان، فقد وقع فيها اختلاف بين العلماء، والصحيح ما عليه الجمهور، من أن تأخير البيان عن وقت الخطاب، لا عن وقت الحاجة جائز، وواقع، وهذا هو الصواب؛ لقوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (١٩)} فقد عبّر بـ "ثم" المقتضية للتأخير، وإلى هذا قد أشرت في "التحفة المرضيّة"، حيث قلت: