للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بالتفكّر والاعتبار، وتفهّم معانيه، واستثارة أحكامه، فلا مرية أن تلاوة هذا على مكث وإن قلّ ما يتلوه أفضل من ختمات غيره، وقد جاء للعلماء في ذلك أخبار، واختيار معلوم. انتهى كلام القاضي -رَحِمَهُ اللَّهُ- ببعض تصرّف (١).

٨ - (ومنها): أنه استدلّ بهذا من جوّز اجتهاد النبيّ -صلي اللَّه عليه وسلم-، حيث إنه كان يعجل بالقراءة، وجوّز الفخر الرازيّ أن يكون أذن له في الاستعجال إلى وقت ورود النهي عن ذلك، فلا يلزم وقوع الاجتهاد في ذلك (٢).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: ما جوّزه الرازيّ لا يخفى بُعده، والحقّ أن اجتهاد النبيّ -صلي اللَّه عليه وسلم- جائز، وواقع، وقد أوضحت ذلك في "التحفة المرضيّة" حيث قلت:

اخْتَلفُوا هَلِ الرَّسُولُ يَجْتَهِدْ … فَالأَكْثَرُونَ جَوَّزُوهُ وَوُجِدْ

وَبَعْضُهُمْ مَنَعَهُ وَالْبَعْضُ فِي … حَرْبٍ رَأَى وَالْبَعْضُ ذُو تَوَقُّفِ

وَالْحَقُّ جَائِزٌ وَوَاقِعٌ فَقَدْ … جَاءَتْ وَقَائِعُ لَهَا قَدِ اجْتَهَدْ

وَالْخُلْفُ فِي خَطَئِهِ وَصُوِّبَا … وَقُوعُهُ بِلَا تَمَادٍ صَاحَبَا

فَاللَّه لَا يُقِرُّهُ عَلَيْهِ بَلْ … يُنْزِلُ وَحْيَهُ إِزَالَةَ الْخَلَلْ

ثُمَّةَ ذَا الْخُلْفُ لأَمْرٍ نُسِبَا … لِلدِّينِ لَا غَيْرُ فَخُذْهُ رَاغِبَا

أَمَّا الأُمُورُ الدُّنْيَوِيَّةُ فَقَدْ … اتَّفَقُوا فِي كَوْنِهِ فِيهَا اجْتَهَدْ

فإن أردت إيضاح معاني الأبيات، فارجع إلى الشرح (٣)، واللَّه تعالى وليّ التوفيق.

٩ - (ومنها): أنه استُدلّ به على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب، كما هو مذهب الجمهور من أهل السنّة، وهو الصحيح في كتب الأصول، ونصّ عليه الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- لما تقتضيه "ثمّ" من التراخي.

قال في "الفتح": أولُ من استدلّ لذلك بهذه الآية القاضي أبو بكر بن الخطيب وتبعوه، وهذا لا يتمّ إلا على تأويل البيان بتبيين المعنى، وإلا فإذا حُمِل على أن المراد استمرار حفظه له، وظهوره على لسانه فلا.


(١) "إكمال المعلم" ٢/ ٣٥٩ - ٣٦٠.
(٢) "الفتح" ٨/ ٥٥١.
(٣) "المنحة الرضيّة شرح التحفة المرضيّة" ٣/ ٤٩٥.