للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ووقع في بعض النسخ: "ثُمّ تَقْرَؤُهُ" بالرفع، وعليه فيكون مستأنفًا، أي ثم أنت تقرؤه.

({فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨)}، قَالَ) ابن عبّاس -رضي اللَّه عنهما- مفسّرًا هذه الجملة (فَاسْتَمِعْ، وَأَنْصِتْ) فيه لغتان: قطع همزته، ووصلها، يقال: أنصت إنصاتًا: استمع، يتعدّى بالحرف، فيقال: أنصت الرجل للقارئ، وقد يُحذف الحرف، فينصبُ المفعولُ، فيقال: أنصت الرجل القارئَ، ضُمِّن سَمِعَهُ، ونَصَتَ له يَنْصِتُ، من باب ضرب لغة: أي سَكَت مستمعًا، وهذا يتعدَّى بالهمزة، فيقال: أنصته: أي أسكته، قاله في "المصباح" (١).

وقال النوويّ في "شرحه": الاستماع: الإصغاء، والإنصات: السكوت، فقد يَستمع، ولا يُنصتُ، فلهذا جمع بينهما، كما قال اللَّه تعالى: {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: ٢٠٤]، قال الأزهريّ: يقال: أَنْصَتَ، ونَصَتَ، وانتصتَ، ثلاث لغات، أفصحهنّ: أنصت، وبها جاء القرآن العزيز. انتهى (٢).

(ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ) هكذا رواية المصنّف، وهو بيان لمعنى قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (١٩)}، وقد صُرّح به في رواية البخاريّ، ولفظه: " {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (١٩)} ثم إن علينا أن تقرأه"، وفي رواية له: "علينا أن نبيّنه بلسانك"، وفي رواية: "على لسانك".

والمعنى: أن اللَّه -عزَّ وجلَّ- ضمِنَ له -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُيسّر له قراءة القرآن متى شاء، سواء كان لنفسه تدبّرًا، وتعبّدًا بتلاوته، أو للناس تبليغًا، وأن يُبيّن له ما يراد منه من المعاني والأحكام، وهذا فضل من اللَّه تعالى الكريم عليه، {وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: ١١٣].

(قَالَ) ابن عبّاس -رضي اللَّه عنهما- (فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-) بعد نزول هذه الآية (إِذَا إتاهُ جِبْرِيلُ) -عليه السلام- (اسْتَمَعَ) لقراءته (فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ) -عليه السلام- أي ذهب، وانصرف من عنده -صلى اللَّه عليه وسلم- (قَرَأَهُ النَّبِيُّ -صلي اللَّه عليه وسلم- كَمَا أَقْرَأَهُ) فاعل "قرأ" الأول ضمير النبيّ -صلي اللَّه عليه وسلم-، وفاعل "قرأ" الثاني ضمير جبريل -عليه السلام-.

والمعنى: أن النبيّ -صلي اللَّه عليه وسلم- كان بعد نزول هذه الآية إذا أتاه جبريل -عليه السلام-


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٦٠٧.
(٢) "شرح النوويّ" ٤/ ١٦٦ - ١٦٧.