للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المشتمل على الحروف التي لا ينطق بها إلا اللسان يلزم منه تحريك اللسان، أو اكتَفَى بالشفتين، وحذَفَ اللسان؛ لوضوحه؛ لأنه الأصل في النطق؛ إذ الأصل حركة الفم، وكلٌّ من الحركتين ناشئ عن ذلك، وتدلّ عليه رواية البخاريّ من طريق جرير في "التفسير": "يحرّك به لسانه وشفتيه"، فجَمَع بينهما.

وكان النبيّ -صلي اللَّه عليه وسلم- في ابتداء الأمر إذا لُقِّن القرآن نازع جبريل القراءة، ولم يَصْبِر حتى يتمها؛ مسارعة إلى الحفظ؛ لئلا ينفلت منه شيء، قاله الحسن وغيره.

ووقع في رواية للترمذيّ: "يحرّك به لسانه" يريد أن يحفظه، وللنسائيّ: "يَعْجَلُ بقراءته ليحفظه"، ولابن أبي حاتم: "يتلقى أوله، ويحرك به شفتيه؛ خشيةَ أن ينسى أوله قبل أن يفرغ من آخره".

وفي رواية الطبريّ، عن الشعبيّ: "عَجِلَ يتكلم به من حبه إياه"، وكلا الأمرين مراد.

ولا تنافي بين محبته إياه، والشدّة التي تلحقه في ذلك، فأمر بأن يُنْصِت حتى يُقْضَى إليه وحيه، ووَعَدَ بأنه آمن من تفلّته منه بالنسيان أو غيره.

ونحوه قوله تعالى: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [طه: ١١٤]، أي بالقراءة، قاله في "الفتح" (١).

(لِتَعْجَلَ بِهِ) أي لتأخذه على عجلة {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧)} قَالَ: جَمْعَهُ فِي صَدْرِكَ، ثُمَّ تَقْرَأَهُ) بالنصب بـ "أن" مضمرة؛ لكونه معطوفًا على اسم خالص، وهو "جمعه"، كما في قول الشاعر [من البسيط]:

إِنِّي وَقَتْلِي سُلَيْكًا ثُمَّ أَعْقِلَهُ … كَالثَّوْرِ يُضْرَبُ لَمَّا عَافَتِ الْبَقَرُ

فـ "أعقله" منصوب لعطفه على "قتلي"، وهو اسم صريح، وإلى هذه القاعدة أشار في "الخلاصة" بقوله:

وَإِنْ عَلَى اسْمٍ خَالِصٍ فِعْلٌ عُطِفْ … تَنْصِبُهُ "أَنْ" ثَابِتًا أَوْ مُنْحَذِفْ

والتقدير هنا: "ثم قراءتَكَ".


(١) "الفتح" ١/ ٣٠.