للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"فأنزل اللَّه" جملة معترضةٌ بالفاء، وذلك جائزٌ، كما في قول الشاعر [من الكامل]:

وَاعْلَمْ فَعِلْمُ الْمَرْءِ يَنْفَعُهُ … أَنْ سَوْفَ يَأْتِي كُلُّ مَا قُدِّرَا

وفائدة الاعتراض زيادة البيان بالوصف على القول.

(كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُحَرِّكُهُمَا) زاد في نسخة: "فحرّك شفتيه" (فَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أُحَرِّكُهُمَا (١) كَمَا كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُحَرِّكهُمَا) ووقع عند البخاريّ: "وقال سعيد: أنا أحركهما كما رأيت ابن عبّاس يحرّكهما"، فقال الكرمانيّ: فإن قلت: كيف قال في الأول: "كان يحركهما"، وفي الثاني بلفظ: "رأيت"؟ قلت: العبارة الأولى أعمّ من أنه رأى بنفسه تحريك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أم سمع أنه حركهما.

وتعقّبه في "العمدة"، فقال: ولا حاجة إلى ذلك؛ لأن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- لم ير النبيّ -صلي اللَّه عليه وسلم- في تلك الحالة؛ لأن سورة القيامة مكية باتفاق، ولم يكن ابن عباس إذ ذاك وُلد؛ لأنه وُلد قبل الهجرة بثلاث سنين، والظاهر أن نزول هذه الآيات كان في أول الأمر، ولكن يجوز أن يكون النبيّ -صلي اللَّه عليه وسلم- أخبره بذلك بعدُ أو أخبره بعض الصحابة أنه شاهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.

قال في "الفتح": والأول هو الصواب، فقد ثبت ذلك صريحًا عن أبي داود الطيالسيّ في "مسنده" عن أبي عوانة بلفظ: "قال ابن عبّاس: فأنا أحرّك لك شفتي كما رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" (٢).

وأما سعيد بن جبير فرأى ذلك من ابن عباس بلا نزاع.

(فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ) لا تنافي بين هذا حيث ذكر الشفتين، وبين قوله (فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ}) حيث ذكر اللسان؛ لأن تحريك الشفتين بالكلام


(١) زاد في نسخة: "لك".
(٢) هكذا نقل في "الفتح" في "تفسير سورة القيامة" عن "مسند أبي داود الطيالسيّ" عن أبي عوانة، ولكن الذي وجدته في "مسنده" عن أبي عوانة رقم (٢٦٢٨) نصّه: "قال ابن عبّاس: إنما أحرك شفتي كما كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يحرّك. . . " الحديث، ولكن الحافظ ثبتٌ في نقله، فلا أدري من أي موضع نقله، فليُنظر، واللَّه تعالى أعلم.