القرآن كان قبل خروجه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الطائف بسنتين، ولا يَعْكُر على ذلك إلا قوله في هذا الخبر: إنهم رأوه يصلّي بأصحابه صلاة الفجر؛ لأنه يَحْتَمِل أن يكون ذلك قبل فرض الصلوات ليلة الإسراء، فإنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان قبل الإسراء يصلّي قطعًا، وكذلك أصحابه، لكن اختُلِف هل افتُرِض قبل الخمس شيء من الصلاة، أم لا؟، فيصح على هذا قولُ مَن قال: إن الفرض أوّلًا كان صلاةً قبل طلوع الشمس، وصلاةً قبل غروبها، والحجة فيه قوله تعالى:{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا}[طه: ١٣٠]، ونحوها من الآيات، فيكون إطلاق صلاة الفجر في حديث الباب باعتبار الزمان، لا لكونها إحدى الخمس المفترضة ليلة الإسراء، فتكون قصّة الجن متقدّمة من أول المبعث.
قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وهذا الموضع مما لم يُنَبِّه عليه أحدٌ ممن وقفت على كلامهم في شرح هذا الحديث.
وقد أخرج الترمذيّ، والطبريّ حديث الباب بسياقٍ سالمٍ من الإشكال الذي ذكرته من طريق أبي إسحاق السبيعيّ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال:"كانت الجنّ تصعد إلى السماء الدنيا، يستمعون الوحي، فإذا سَمِعُوا الكلمة زادوا فيها أضعافًا، فالكلمة تكون حقًّا، وأما ما زادوا فيكون باطلًا، فلما بُعِث النبيّ -صلي اللَّه عليه وسلم- مُنِعُوا مقاعدهم، ولم تكن النجوم يُرْمَى بها قبل ذلك".
وأخرجه الطبريّ أيضًا، وابن مردويه، وغيرهما، من طريق عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير مُطَوَّلًا، وأوله:"كان للجن مقاعدُ في السماء، يستمعون الوحي. . . " الحديث، "فبينما هم كذلك، إذ بُعِث النبيّ -صلي اللَّه عليه وسلم-، فدُحِرت الشياطين من السماء، ورُمُوا بالكواكب، فجَعَلَ لا يصعد أحد منهم إلا احترق، وفزع أهل الأرض لِمَا رأوا من الكواكب، ولم تكن قبل ذلك، فقالوا: هلك أهل السماء، وكان أهل الطائف أَوَّلَ من تفطّن لذلك، فعَمَدُوا إلى أموالهم، فسَئبُوها، وإلى عبيدهم فعتقوها (١)، فقال لهم رجل: ويلكم لا تُهلِكوا
(١) هكذا النسخة، والظاهر أن الصواب: فأعتقوها، بالهمزة؛ لأن عتق الثلاثي لا يتعدّى، اللَّهمّ إلا أن نجعله من التعتيق المضاعف، وإن كان غير ظاهر، فتأمل، واللَّه تعالى أعلم.