للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[الجنّ: ٨ - ٩]، وقوله تعالى: {إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (٢١٢)} [الشعراء: ٢١٢]، وقد جاءت أشعار العرب باستغراب رميها وإنكاره؛ إذ لم يَعْهَدوه قبل المبعث، وكان ذلك أحد دلائل نبوته -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويؤيده ما ذُكِر في الحديث من إنكار الشياطين.

قال: وقال بعضهم: لم تَزَلِ الشُّهُبُ يُرْمَى بها مذ كانت الدنيا، واحتجوا بما جاء في أشعار العرب من ذلك، قال: وهذا مرويّ عن ابن عباس، والزهريّ ورَفَع فيه ابنُ عباس حديثًا عن النبيّ -صلي اللَّه عليه وسلم-.

وقال الزهريّ لمن اعترض عليه بقوله: {فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} [الجن: ٩] قال: غُلّظَ أمرها، وشُدِّد. انتهى.

وهذا الحديث الذي أشار إليه أخرجه مسلم، من طريق الزهريّ، عن عبيد اللَّه، عن ابن عباس، عن رجال من الأنصار، قالوا: "كنا عند النبيّ -صلي اللَّه عليه وسلم- إذ رمي بنجم، فاستنار، فقال: ما كنتم تقولون لهذا إذا رُمِي به في الجاهلية؟. . . " الحديث (١)، وأخرجه عبد الرزاق، عن معمر، قال: سئل الزهريّ عن النجوم، أكان يُرْمَى بها في الجاهلية؟ قال: نعم، ولكنه إذ جاء الإسلام غُلِّظَ وشُدّد، وهذا جمع حسن.

ويَحْتَمِل أن يكون المراد بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا رُمِي بها في الجاهلية، أي جاهلية المخاطبين، ولا يلزم أن يكون ذلك قبل المبعث، فإن المخاطب بذلك الأنصار، وكانوا قبل إسلامهم في جاهلية، فإنهم لم يُسْلِموا إلا بعد المبعث بثلاث عشرة سنة.

وقال السهيليّ: لم يَزَل القذف بالنجوم قديمًا، وهو موجود في أشعار قدماء الجاهلية، كأوس بن حُجْر، وبشر بن أبي حازم وغيرهما.

وقال القرطبيّ: يُجْمَع بأنها لم تكن يُرْمَى بها قبل المبعث رميًا يَقطع الشياطين عن استراق السمع، ولكن كانت تُرْمَى تارةً، ولا تُرْمَى أخرى، وتُرْمَى من جانب، ولا تُرْمَى من جميع الجوانب، ولعل الإشارة إلى ذلك بقوله تعالى: {وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (٨) دُحُورًا} [الصافات: ٨ - ٩] انتهى.


(١) سيأتي للمصنّف في "كتاب السلام" برقم (٢٢٢٩).