قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ثم وجدت عن وهب بن منبه ما يرفع الإشكال، ويجمع بين مختلف الأخبار، قال: كان إبليس يَصْعَد إلى السماوات كلهنّ، يتقلَّب فيهنّ كيف شاء، لا يُمنَع منذ أُخرج آدم إلى أن رُفِع عيسى، فحُجِب حينئذ من أربع سماوات، فلما بُعِث نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- حُجِب من الثلاث، فصار يسترق السمع هو وجنوده، ويقذفون بالكواكب.
ويؤيِّده ما رَوَى الطبريّ، من طريق الْعَوْفيّ، عن ابن عباس، قال: لم تكن السماء تُحْرَس في الفترة بين عيسى ومحمد، فلما بُعِث محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- حُرِست حَرَسًا شديدًا، ورُجِمت الشياطين، فأنكروا ذلك.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي رواه وهب بن منبّه الظاهر أنه من الإسرائيليّات، فرَفْعُهُ الإشكال محلّ نظر، وأما تأييده برواية العوفيّ، فلا ينفع؛ لأنّ عطيّة العوفي ضعيف، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.
قال: ومن طريق السديّ قال: إن السماء لم تكن تُحْرَس إلا أن يكون في الأرض نبيّ، أو دين ظاهرٌ، وكانت الشياطين قد اتَّخَذت مقاعد يسمعون فيها ما يحدُث، فلما بُعِث محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- رُجِموا.
وقال الزين ابن الْمُنَيِّر: ظاهر الخبر أن الشهب لم تكن يُرْمَى بها، وليس كذلك؛ لما دَلّ عليه حديث مسلم، وأما قوله تعالى:{فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا}، فمعناه أن الشهب كانت تُرْمَى فتصيب تارةً، ولا تصيب أخرى، وبعد البعثة أصابتهم إصابةً مستمرةً، فوصفوها لذلك بالرصد؛ لأن الذي يَرْصُد الشيء لا يخطئه، فيكون المتجدد دوام الإصابة لا أصلها.
وأما قول السهيليّ: لولا أن الشهاب قد يُخطئ الشيطان لم يَتَعَرَّض له مرة أخرى، فجوابه أنه يجوز أن يقع التعرض مع تحقق الإصابة؛ لرجاء اختطاف الكلمة وإلقائها قبل إصابة الشهاب، ثم لا يبالي المختطِفُ بالإصابة لِمَاطُبع عليه من الشرّ كما تقدّم.
وأخرج العقيليّ، وابن منده، وغيرهما، وذكره أبو عمر بغير سند من طريق لَهَب -بفتحتين، ويقال: بالتصغير- ابن مالك الليثيّ قال: ذُكِرت عند النبيّ -صلي اللَّه عليه وسلم- الكهانة، فقلت: نحن أول من عَرَفَ حراسة السماء، ورَجْمَ الشياطين، ومَنْعَهم من استراق السمع عند قذف النجوم، وذلك أنا اجتمعنا عند