({اسْتَمَعَ نَفَرٌ}) أي جماعة، أي استمعوا إلى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فعَلِموا أن ما يقرؤه كلام اللَّه، ولم يُذْكَر المستمع إليه لدلالة الحال عليه، والنفر: الرهط، قال الخليل: ما بين ثلاثة إلى عشرة، وقرأ عيسى الثقفيّ:"يَهْدِي إلى الرَّشَدِ" بفتح الراء والشين.
({مِنَ الْجِنِّ}) أي جنّ نصيبين، وقيل غير ذلك.
زاد الترمذيّ: قال ابن عباس: وقول الجنّ لقومهم: لَمّا قام عبد اللَّه يدعوه كادوا يكونون عليه لبدًا، قال: لَمّا رأوه يصلّي، وأصحابه يصلّون بصلاته، يسجدون بسجوده، قال: فتعجبوا من طواعية أصحابه له، قالوا لقومهم ذلك.
وزاد في رواية البخاريّ:"وإنما أُوحي إليه قولُ الجنّ"، قال في "الفتح": هذا كلام ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، كأنه قرّر فيه ما ذهب إليه أوّلًا أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يجتمع بهم، وإنما أَوْحَى اللَّه إليه بأنهم استمعوا، ومثله قوله تعالى:{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا} الآية [الأحقاف: ٢٩]، ولكن لا يلزم من عدم ذكر اجتماعه بهم حين استمعوا أن لا يكون اجتمع بهم بعد ذلك، كما تقدم تقريره. انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: الحقّ أن اجتماعه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالجنّ في غير هذه الواقعة ثابتٌ، فقول ابن عبّاس -رضي اللَّه عنهما-: إنه لم يرهم محمول على عدم علمه، لا على ما هو الواقع، فقد أثبته ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-، كما سيأتي قريبًا، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث ابن عبّاس -رضي اللَّه عنهما- هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [٣٤/ ١٠١١](٤٤٩)، و (البخاريّ) في "الأذان"(٧٧٣) و"التفسير"(٤٩٢١)، و (الترمذيّ) في "التفسير"(٣٣٢٣ و ٣٣٢٤)،