نهيتكم عن الاستنجاء بهما؛ لأنهما زاد إخوانكم من الجنّ، فلا يجوز تنجيسهما؛ احترامًا لحقوقهم.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: ظاهر هذه الرواية أن الجنّ سألوا النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الطعام، فأخبرهم بما جعل اللَّه لهم من الطعام، ثم نهى عن الاستنجاء به، ويعارض هذا ما أخرجه أبو داود بسند صحيح، عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: قَدِم وفد الجنّ على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالوا: يا محمد انْهَ أُمَّتَكَ أن يستنجوا بعظم أو روثة، أو حُمَمَة، فإن اللَّه تعالى جَعَل لنا فيها رزقًا، قال: فنهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك (١).
فظاهر هذه الرواية أن الجنّ هم الذين أخبروا النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بطعامهم، وطلبوا منه أن ينهى أمته عن الاستنجاء به.
والجمع بينهما أن يقال: إن الجنّ لَمّا وفدوا على النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- طلبوا منه الزاد، فدعا اللَّه تعالى لهم، ثم أخبرهم بأن اللَّه جعل لهم كلّ عظم ذُكر اسم اللَّه عليه طعامًا لهم، وكلّ بعرة علفًا لدوابّهم، ثم إنهم رأوا أن الناس يستنجون بهما، فطلبوا منه أن ينهى أمته عن ذلك، فنهى عنه.
والحاصل أن الجنّ طلبوا من النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- الزاد، فدعا لهم بما ذُكر، وأخبرهم به، ثم طلبوا منه في وقت آخر أن ينهى أمته عن الاستنجاء بما جعل اللَّه تعالى لهم فيه رزقًا، فنهاهم عن ذلك، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- هذا من أفراد المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [٣٤/ ١٠١٢ و ١٠١٣ و ١٠١٤ و ١٠١٥](٤٥٠)، و (أبو داود) في "الطهارة"(٣٩ و ٨٥)، و (الترمذيّ) فيها (١٨) و"التفسير"
(١) حديث صحيح، أخرجه أبو داود في "سننه" برقم (٣٩) وفيه إسماعيل بن عيّاش متكلّم فيه، لكنه ثقة فيما روى عن الشاميين، وهذا منه، فلا كلام فيه، فتنبّه، واللَّه تعالى أعلم.