للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

التخفيف، كبكاء الصبي ونحوه، وينضم إلى هذا أنه قد يدخل في الصلاة في أثناء الوقت فيخفف، وقيل: إنما طوّل في بعض الأوقات، وهو الأقل، وخَفَّف في معظمها، فالإطالة لبيان جوازها، والتخفيف؛ لأنه الأفضل، وقد أمر -صلى اللَّه عليه وسلم- بالتخفيف، وقال: "إن منكم منفِّرين، فأيكم صلّى بالناس فليخفف، فإن فيهم السقيم والضعيف، وذا الحاجة"، وقيل: طَوَّل في وقت، وخفف في وقت؛ ليبيّن أن القراءة فيما زاد على الفاتحة لا تقدير فيها من حيث الاشتراط، بل يجوز قليلها وكثيرها، وإنما المشترط الفاتحة، ولهذا اتفقت الروايات عليها، واختَلَفت فيما زاد.

وعلى الجملة: السنّة التخفيف كما أمر به النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- للعلة التي بَيَّنَها، وإنما طَوَّل في بعض الأوقات؛ لتحققه انتفاء العلة، فإن تحقق أحدٌ انتفاء العلة طَوَّل، ذكره النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وهو تحقيقٌ نفيسٌ، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قد اختَلَف العلماء في استحباب قراءة السورة في الأخريين من الرباعية، والثالثة من المغرب، فقيل بالاستحباب وبعدمه، وهما قولان للشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-. قال الشافعيّ: ولو أدرك المسبوق الأخريين أتى بالسورة في الباقيتين عليه؛ لئلا تخلو صلاته من سورة.

وأما اختلاف قدر القراءة في الصلوات فهو عند العلماء على ظاهره، قالوا: فالسنّة أن يقرأ في الصبح والظهر بطوال المفصل، وتكون الصبح أطول، وفي العشاء والعصر بأوساطه، وفي المغرب بقصاره، قالوا: والحكمة في إطالة الصبح والظهر أنهما في وقت غفلة بالنوم آخر الليل، وفي القائلة، فيُطَوِّلهما ليدركهما المتأخر بغفلة ونحوها، والعصر ليست كذلك، بل تفعل في وقت تَعَب أهل الأعمال، فخُفِّفت عن ذلك، والمغرب ضيقة الوقت فاحتيج إلى زيادة تخفيفها لذلك، ولحاجة الناس إلى عَشَاء صائمهم وضيفهم، والعِشَاء في وقت غلبة النوم والنعاس، ولكن وقتها واسع، فأشبهت العصر، واللَّه تعالى أعلم. انتهى كلام النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وهو بحثٌ نفيسٌ، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.