(المسألة الثالثة): قال في "المرعاة": هذا الحديث نصّ صريح في تطويل الاعتدال، والجلوس بين السجدتين، وقد ترك الشافعيّة والحنفيّة هذه السنّة الثابتة بالأحاديث الصحيحة من عالم، وفقيه، وإمام، ومنفرد، وصغير، وكبير، والأعظم من ذلك أنهم إذا رأوا من يُطيل الاعتدال من الركوع، والجلوس من بين السجدتين شغبوا عليه، وجهّلوه، وسفّهوه، وتركوا الاقتداء به.
قال بعض الحنفيّة معتذرًا عن أمثال هذا الحديث: إن فيها مبالغة الراوي.
قال: قال شيخنا ردًّا عليه: كلَا ثم كلّا، فإن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- كانوا لا يبالغون من عند أنفسهم في وصف صلاته -صلى اللَّه عليه وسلم-، وحكاية أفعاله في الصلاة وغيرها، ولا يُقصّرون، بل يَحكونها على حسب ما رأوا، فحمله على مبالغة الراوي باطلٌ مردود عليه.
وحَمَل بعضهم حديث أنس -رضي اللَّه عنه- هذا على ابتداء الأمر حين كان يُطوّل صلاته، قال: ثم أمر بالتخفيف بعده.
وهذا ادّعاء محضٌ لا دليل على كون ما في هذا الحديث لابتداء الأمر، فلا يُلتفت إليه.
وقال بعضهم: كانت هذه الإطالة في صلاة النافلة.
وهذا الحمل أيضًا يَحتاج إلى دليل، ولا دليل على ذلك، بل يردّه إطلاق ما رُوي عن ثابت، قال:"كان أنس يَنعتُ لنا صلاة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكان يُصلّي، فإذا رفع رأسه من الركوع قال حتى نقول: قد نسي"، أخرجه البخاريّ.
وقال بعضهم: لم يَذكُر هذه الصفة إلا أنس من بين الصحابة -رضي اللَّه عنهم- الذين رووا صفة صلاته -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وتُعُقّب بأنه لم ينفرد به أنس -رضي اللَّه عنه-، بل وافقه البراء بن عازب -رضي اللَّه عنهما- كما تقدّم، وحُذيفة بن اليمان -رضي اللَّه عنهما-، عند المصنّف، ولفظه:"ثم ركع، فجعل يقول: سبحان ربي العظيم، فكان ركوعه نحوًا من قيامه، ثم قال: سمع اللَّه لمن حمده، ثم قام طويلًا قريبًا مما ركع، ثم سجد، فقال: سبحان ربي الأعلى، فكان سجوده قريبًا من قيامه"(١).
(١) سيأتي للمصنف -رَحِمَهُ اللَّهُ- برقم (٧٧٢) عن حذيفة -رضي اللَّه عنه- قال: صلَّيت مع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ذات =