للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وجبت، فقال: هذا أثنيتم عليه خيرًا، فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرًّا، فوجبت له النار. . . " الحديث.

وقد نقل النوعان في واقعتين، تراخت إحداهما عن الأخرى، من العدل الضابط، عن العدل الضابط، عن العرب الفُصَحاء، عن أفصح العرب، فكان أوثق من نقل أهل اللغة، فإنهم قد يَكْتَفُون بالنقل عن واحد، ولا يُعْرَف حاله، فإنه قد يَعْرِض له ما يُخْرِجه عن حَيِّز الاعتدال، من دَهْش، وسُكْر، وغير ذلك، فإذا عُرِف حاله لم يحتجّ بقوله، ويَرْجِع قولُ مَن زَعَم أنه لا يُسْتَعمَل في الشرّ إلى النفي، وكأنه قال: لم يُسْمَع، فلا يقال: والإثبات أولى، وللَّه در من قال [من الوافر]:

وَإِنَّ الْحَقَّ سُلْطَانٌ مُطَاعٌ … وَمَا لِخِلَافِهِ أَبَدًا سَبِيلُ

وقال بعض المتأخرين: إنما استُعْمِل في الشرّ في الحديث للازدواج، وهذا كلام مَن لا يَعْرِف اصطلاح أهل العلم بهذه اللفظة. انتهى كلام الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد اتّضَح بما حَرَّره الفيّوميّ: أن الثناء يُستعمل للمدح والذمّ، وإنما يُميّز بالقرينة، مثل ما هنا، فإن المقام مقام مدح، فمن فسّره بأنه الوصف الجميل، كالنوويّ في كلامه السابق، إما قصور عن التحقيق المذكور، وإما محمول على أنهم فسّروه بما يقتضيه المقام، واللَّه تعالى أعلم بالصواب.

(وَالْمَجْدِ) بالجرّ عطفًا على "الثناء"، وهو بفتح الميم، وسكون الجيم: العظمة، ونهاية الشرف.

وقال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "أهل الثناء والمجد" كذا لهم، ولابن ماهان: "أهل الثناء والحمد"، والحمد أعم من الثناء والمجد، على ما بيّنّاه في الفرق بين "مجّدني عبدي"، و"حمدني عبدي"، و"أثنى عليّ عبدي"، والمجد نهاية الشرف، وكان لفظة "الحمد" هنا أليق بالكلام؛ لقوله أوّلًا: "لك الحمد". انتهى كلام القاضي -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٢).


(١) "المصباح المنير" ١/ ٨٥ - ٨٦.
(٢) "إكمال المعلم" ٢/ ٣٩١.