أَلَمْ يَأْتِيكَ وَالأَنْبَاءُ تَنْمِي … بِمَا لَاقَتْ لَبُونُ بَنِي زَيادِ
فاعتَرَض بقوله: "والأنباء تنمي"، وقول امرئ القيس [من الطويل]:
أَلَا هَلْ أَتَاهَا وَالْحَوَادِثُ جَمَّةٌ … بِأَنَّ امْرَأَ الْقَيْسِ بْنَ تَمْلِكَ بَيْقَرَا (١)
فاعتَرَضَ قوله: "وَالْحَوادثُ جَمَّةٌ"، وقال الآخر [من الطويل]:
إِلَيْكَ أَبَيْتَ اللَّعْنَ كَانَ كَلَالُهَا … إِلَى الْمَاجِدِ الْقَرْمِ الْجَوَادِ الْمُحَمَّدِ
فاعتَرَضَ قوله: "أبيْتَ اللعنَ"، ونظائره كثيرة، وإنما يعترض ما يعترض من هذا الباب؛ للاهتمام به، وارتباطه بالكلام السابق، وتقديره هنا: أحقُّ قول العبد: لا مانع لما أعطيت، وكلُّنا لك عبدٌ، فينبغي لنا أن نقوله.
(اللَّهُمَّ) تقدّم أن أصلها "يا أللَّه"، فحُذفت "يا" وعُوِّضَ عنها الميم المشدّدة في الأخير، ولا يُجمَع بينهما إلا في الضرورة، كقوله:
إِنِّي إِذَا مَا حَدَثٌ أَلَمَّا … أَقُولُ يَا اللَّهُمَّ يَا اللَّهُمَّا
وإليه أشار في "الخلاصة" حيث قال:
وَبِاضْطِرَارٍ خُصَّ جَمْعُ "يَا" و"أَلْ" … إِلَّا مَعَ "اللَّهِ" وَمَحْكِيِّ الْجُمَلْ
وَالأَكْثَرُ "اللَّهُمَّ" بِالتَّعْوِيضِ … وَشَذَّ "يَا اللَّهُمَّ" فِي قَرِيضِ
(لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ) "ما" تعمّ العقلاء وغيرهم، فهي موصول اسميّ، والجملة صلتها بتقدير العائد، أي للذي أعطيته، ويَحْتَمِلُ أن تكون حرفًا مصدريًّا، أي لإعطائك، وهذا بمعنى قوله تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} الآية [فاطر: ٢].
[تنبيه]: من القاعدة النحويّة أن اسم "لا" التي لنفي الجنس إذا كان مضافًا، نحو: لا طالب علم ممقوتٌ، أو شبيهًا بالمضاف، وهو الذي له تعلّقٌ بما بعده بالعمل، أو غيره، نحو: لا طالعًا جبلًا: أن يُنصب، ولكن هذا الحديث مرويّ بإسقاط التنوين من اسمها، فما هو الوجه؟.
أُجيب بأنه إما مبنيّ؛ إجراءً له مُجرى المفرد، أو معرب، حُذف تنوينه تشبيهًا بالمضاف، أو مبنيّ لكونه مفردًا، وقوله: "لما أعطيتَ" متعلّق بمحذوف
(١) بيقر الرجلُ: هاجر من أرض إلى أرض، أو خرج إلى حيث لا يَدرِي، وله معان أُخَر، راجع: "اللسان" في مادّة "بقر".