للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وهذا إن لم يكن أوكد في باب الأمر من التشهّد، فليس بدونه، فاللازم لمن جعل التشهّد فرضًا، وجعل على تاركه إعادة الصلاة أن يقول كذلك في تارك التسبيح في الركوع والسجود؛ إذ هو في باب الأمر مثله، أو أوكد منه.

قال: وأسقطت طائفة فرض التسبيح عن الراكع والساجد، وقالت: لا إعادة على تاركه، فروينا عن ابن سيرين أنه قال: إذا وضع يديه على ركبتيه، فقد أتمّ، وإذا أمكن جبهته من الأرض، فقد أتمّ، وقال الثوريّ: وإن لم يقل شيئًا، وقال المسيّب بن رافع نحوه، وقيل لابن أبي نَجِيح: أكان مجاهد يقول: يجزيه إذا وضع يديه على ركبتيه؟، فأومأ برأسه نعم.

وكان الشافعيّ يقول: إذا ترك التكبير سوى تكبيرة الافتتاح، وقوله: سمع اللَّه لمن حمده، والذكر في الركوع والسجود لم يُعد صلاته، وكذلك قال أبو ثور، وأصحاب الرأي.

واحتجّ الشافعيّ بحديث رفاعة، يعني حديث المسيء صلاته، حيث إنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يأمره بالأذكار.

قال ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ولعمري لو اقتصر على حديث رفاعة، فلم يَفْرض غير ما فيه، مثل التشهّد، والتسليم للخروج من الصلاة، لكان قد ذهب مذهبًا، فإن قال قائل: التشهّد وجب بحديث آخر، قيل له: وكذلك التسبيح في الركوع والسجود وجب بحديث آخر، ولن يدخل في أحدهما شيء إلا دخل في الآخر مثله. انتهى كلام ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ- باختصار (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: لقد أجاد الإمام ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ- في الاحتجاج على الإمام الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- حيث لَزِم قوله في هذه المسألة التناقضُ؛ إذ أوجب التشهد، مع أنه لم يُذكر في حديث عقبة بدليل خارج، ولم يوجب التسبيح في الركوع والسجود؛ لعدم ذكره في حديثه، ولا شك أن مثل هذا يلزم منه التناقض، فالحقّ أن كلّ ما دلّ عليه دليلٌ صحيح وجب المصير إليه، فمن أوجب التشهّد لأمره -صلى اللَّه عليه وسلم- به، فليوجب أذكار الركوع والسجود؛ لأمره كذلك من غير فرق، واللَّه تعالى أعلم.


(١) "الأوسط" ٣/ ١٨٦ - ١٨٧.