للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: مذهب الجمهور كراهة القراءة والدعاء في الركوع، وقال الشافعيّ والكوفيّون: يقول في الركوع: "سبحان ربي العظيم"، وفي السجود: "سبحان ربي الأعلى"؛ اتّباعًا لحديث عقبة -رضي اللَّه عنه- (١)، وكلُّهم على استحباب ذلك، وذهب بعضهم إلى وجوب ذلك في الركوع والسجود، وذهب إسحاق، وأهل الظاهر إلى وجوب الذكر فيهما دون تعيين، وأنه يعيد الصلاة من تركه.

وفي "المبسوط" عن يحيى بن يحيى، وعيسى بن دينار، من أئمتنا -يعني المالكيّة- فيمن لم يذكر اللَّه في ركوعه، ولا سجوده أنه يُعيد الصلاة أبدًا، وقد تأولّ المتأخّرون من أصحابنا ذلك عليهما تأويلات بعيدة. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٢).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد عرفت فيما سبق أن الحقّ وجوب أذكار الركوع والسجود، فما ذهب إليه إسحاق، وأهل الظاهر، ونقل عن يحيى بن يحيى، وعيسى بن دينار هو الصحيح، فتبصّر.

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: التسبيح في الركوع والسجود سنةٌ غير واجب، هذا مذهب مالك، وأبي حنيفة، والشافعيّ -رحمهم اللَّه تعالى- والجمهور، وأوجبه أحمد -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وطائفة من أئمة الحديث؛ لظاهر الحديث في الأمر به، ولقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صَلُّوا كما رأيتموني أصلي"، وهو في "صحيح البخاريّ".

وأجاب الجمهور بأنه محمول على الاستحباب، واحتَجُّوا بحديث المسيء صلاته، فإن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يأمره به، ولو وَجَب لأمره به. انتهى كلام النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٣).

وقال الحافظ رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ولو لم يسبّح في ركوعه، ولا سجوده، فقال أكثر الفقهاء: تجزئ صلاته، وهو قول مالك، وأبي حنيفة، والثوريّ، والشافعيّ وغيرهم.


(١) تقدّم قريبًا ذكر حديث عقبة بن عامر -رضي اللَّه عنه-، وهو حديث صحّحه ابن خزيمة.
(٢) "المفهم" ٢/ ٨٥ - ٨٦.
(٣) "شرح النوويّ" ٤/ ١٩٧.