وقال أحمد في ظاهر مذهبه، وإسحاق: إن تركه عمدًا بطلت صلاته، وإن تركه سهوًا وجب عليه أن يَجبُره بسجدتي السهو.
وقالت طائفة: هو فرض لا يسقط في عمد، ولا سهو، وحُكي روايةً عن أحمد، وهو قول داود، ورجّحه الخطابيّ، وقد روى الحسن، والنخعيّ ما يدلّ عليه.
قال: ويُستدلّ له بقول النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في الصلاة:"إنما هي التسبيح، والتكبير، وقراءة القرآن"، رواه مسلم، ولذلك سمّى اللَّه تعالى الصلاة تسبيحًا، كما سمّاها قرآنًا، فدلّ على أن الصلاة لا تخلو عن القرآن والتسبيح.
قال: وعلى القول بالوجوب، فقال أصحابنا: الواجب في الركوع: "سبحان ربي العظيم"، وفي السجود:"سبحان ربي الأعلى" لا يُجزئ غير ذلك؛ لحديث ابن مسعود، وعقبة بن عامر -رضي اللَّه عنه-، وقد سبقا (١).
وقال إسحاق: يُجزئ كلُّ ما رُوي عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، من تسبيح، وذكر، ودعاء، وثناء. انتهى كلام ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وهو تحقيقٌ نفيسٌ، وبحث أنيس.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد تبيّن مما سبق من ذكر أقوال العلماء، وأدلّتهم أن مذهب من أوجب التسبيح في الركوع والسجود، هو الحقّ؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر به، والأمر للوجوب، فقد أمر -صلى اللَّه عليه وسلم- بالتسبيح في الركوع والسجود، كما سبق في حديث عقبة -رضي اللَّه عنه- المتقدّم:"اجعلوها في ركوعكم. . . اجعلوها في سجودكم"، وكذا حديث الباب قال:"فعظّموا فيه الربّ"، وقال:"فاجتهدوا في الدعاء"، وقد صحّ عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- فعلًا، كما صحّ قولًا، وقال:"صلُّوا كما رأيتموني أصلي"، وقال أيضًا:"إنما هي التسبيح، والتكبير، وقراءة القرآن".
فإذا لم تفد هذه النصوص الوجوب، فما الذي يفيده؟ إن هذا لهو العجب العُجاب!!!.
وأما الاحتجاج بحديث المسيء صلاته، فليس بصواب؛ لأن الأرجح -كما أسلفناه في محلّه- أن الواجبات ليست مقصورة على حديثه، بل غاية ما
(١) أما حديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- فضعيف؛ للانقطاع، وأما حديث عقبة -رضي اللَّه عنه- فحسن، كما أسلفت تحقيقه، فتنبّه.