قال: واختلف أصحابنا -يعني الحنابلة- في الكمال في التسبيح، هل هو عشر تسبيحات، أو سبع؟ ولهم وجهان آخران في حقّ المنفرد، أحدهما يسبّح بقدر قيامه، والثاني ما لم يَخَف سهوًا، ذكر هذا كلّه الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "شرح البخاريّ"(١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: الأرجح عندي أن المصلّي مطلقًا يسبّح بلا عدد معيّن، وكلما زاد كان أفضل، إلا أن يكون إمامًا، فيخفّف للأمر بذلك، وأقوى ما ثبت في ذلك ما أخرجه الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائيّ بإسناد حسن، عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: ما رأيت أحدًا أشبه صلاة بصلاة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من هذا الفتى -يعني عمر بن عبد العزيز- فحزَرْنا في ركوعه عشر تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات.
وأما ما أخرجه أصحاب السنن إلا النسائي، عن عون بن عبد اللَّه، عن عبد اللَّه بن مسعود، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرات: سبحان ربي العظيم، وذلك أدناه، وإذا سجد فليقل: سبحان ربي الأعلى ثلاثًا، وذلك أدناه"، فإنه حديث ضعيف؛ للانقطاع، كما قاله أبو داود والترمذيّ؛ لأن عون بن عبد اللَّه لم يدرك ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-.
والحاصل أنه لا حدّ للتسبيح في الركوع والسجود بالثلاث، ولا بغيرها، بل يسبّح ما شاء، وكلّما زاد كان حسنًا، وإنما الواجب الطمأنينة مع الذكر، لكن إن كان إمامًا فالأولى له أن يراعي حال المأمومين، فلا يشقّ عليهم بالتطويل، ولا يفوّت عليهم سنة التسبيح بالاستعجال، بل يعطي كلّ ذي حقّ حقه، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج -رَحِمَهُ اللَّهُ- المذكور أولَ الكتاب قال: