للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: بل الأظهر بكناؤه تأسّفًا على ما فقده من الانتفاع به، ولما رآه من كرب الموت عليه، والله تعالى أعلم.

(فَقَالَ: مَهْلًا) بإسكان الهاء، وتُفتح (١)، ومعناه أنظرني، قال الجوهري (٢): يقال: مَهْلًا يا رجل، بالسكون وكذلك للاثنين والجمع والمؤنث، وهي موحدة، بمعنى أَمْهِلْ، فإذا قيل لك: مهلًا، قلت: لا مَهْلَ والله، ولا تقل: لا مهلًا والله، وتقول: ما مَهْلٌ والله بمغنية عنك شيئًا، قال الكميت [من الوافر]:

أَقُولُ لَهُ إِذَا مَا جَاءَ مَهْلًا … وَمَا مَهْلٌ بِوَاعِظَةِ الْجَهُولِ

قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: ليس فيه نهيٌ عن البكاء، لأن النهي إنما وقع بعد الوجوب والموت، وفي بكاء بصفة مخصوصة، تأتي مفسَّرة - إن شاء الله - في "الجنائز"، انتهى (٣).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: أشار القاضي بهذا إلى حديث جابر بن عَتِيك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء يعود عبد الله بن ثابت، فوجده قد غُلِب، فصاح به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يُجِبه، فاسترجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: غُلِبنا عليك يا أبا الربيع، فصاح النسوة وبَكَيْنَ، فجعل ابن عتيك يُسَكِّتهن، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دَعْهُنّ، فإذا وجب، فلا تَبْكِيَنّ باكية"، قالوا: وما الوجوب يا رسول الله؟ قال: الموت … الحديث (٤).

والحاصل أن الجمهور على جواز البكاء قبل الموت، والأولى تركه بعد الموت، وهذا الحكم خاصّ بجريان الدمع من أثر الرحمة وحزن القلب، دون ندب ونياحة، فإن ذلك وأمثاله من لطم الخدود، وشقّ الجيوب، وخمش


(١) هكذا جوّز الوجهين في هائه في "القاموس". و"المصباح"، في في "شرح النوويّ" من ضبطه بإسكان الهاء فقط تقصير، فتنبَّه.
(٢) راجع: "الصلح" ٤/ ١٤٨٢ - ١٤٨٣.
(٣) "إكمال المعلم" ١/ ٢٣٥.
(٤) حديث صحيح أخرجه مالك في "الموطّإ" ١/ ٢٣٣ وأحمد في "مسنده" رقم (٢٢٦٣٣) وأبو داود (٢٧٠٤) والنسائيّ (١٨٢٣) والحاكم في "المستدرك" ١/ ٣٥٢ وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبيّ.