للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والتقدير: حاصل له.

وقوله: (وَهُوَ سَاجِدٌ) جملة في محلّ نصب على الحال من ضمير "حاصلٌ"، أو من ضمير "له".

والمعنى: أقرب أكوان العبد من ربّه تبارك وتعالى حاصل له حين كونه ساجدًا.

ولا يَرِدُ على الأول أن الحال لا بُدّ أن يرتبط بصاحبه، ولا ارتباط هنا؛ لأن ضمير "وهو ساجد" لـ "العبد"؛ لا لـ "أقرب"؛ لأنا نقول: يكفي في الارتباط وجود الواو من غير حاجة إلى الضمير، مثلُ "جاء زيد والشمس طالعةٌ"، أفاده السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.

وقال ابن مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "وهو ساجد" جملةٌ حاليّة سدّت مسدّ خبر المبتدأ، ونظيره: "ضربي زيدًا قائمًا"، التزمت العرب حذف خبر المبتدأ، وتنكير قائمًا، وجَعَلت المبتدأ عاملًا في ضمير صاحب الحال، ويشهد بأنّ "كان" المقدّرة تامّةٌ، و"قائمًا" حال من فاعلها التزام العرب تنكير "قائمًا"، وإيقاع الجملة الاسميّة المقرونة بواو الحال مَوْقِعه في هذا الحديث، والمبتدأُ فيه مؤوَّلٌ يُفسِّرُ صاحبَ الحال، يعني بالمصدر المقدّر؛ لأن لفظ "ما يكون" مؤوَّلٌ بـ "الكون"، والتقدير: أقرب الكون كونُ العبد ساجدًا. انتهى (١).

وقد ذكرت هذا البحث في "شرح النسائيّ" بأتمّ مما هنا، فراجعه تستفد (٢)، وباللَّه تعالى التوفيق.

وإنما كان العبد أقرب إليه تعالى في حال سجوده من سائر أحوال الصلاة وغيرها؛ لأن العبد بقدر ما يَبْعُد عن حظوظ نفسه بمخالفتها يقرب من ربّه عزَّ وجلَّ، والسجودُ فيه غاية التواضع، وترك الكبر، وكسر النفس؛ لأنها لا تأمر صاحبها بالمذلّة، ولا ترضى بها، ولا بالتواضع، فإذا سجد فقد خالف نفسه، وبَعُد عنها، فإذا بعُد عنها قرُب من ربّه عزَّ وجلَّ.

وقيل: وجه أقربيّته من ربّه في السجود أن العبد داع لربّه فيه؛ لكونه مأمورًا به، واللَّه تعالى قريب من السائلين، كما قال عزَّ وجلَّ: {وَإِذَا سَأَلَكَ


(١) راجع: "عقود الزبرجد" للسيوطيّ ٢/.
(٢) "ذخيرة العقبى" ١٤/ ٧.