للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

للرجل جزء بالليل يأتي عليه، فتكثير الركوع والسجود أفضل؛ لأنه يقرأ جزأه، ويَرْبَح كثرة الركوع والسجود.

وقال الترمذيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: إنما قال إسحاق هذا؛ لأنهم وَصَفُوا صلاة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالليل بطول القيام، ولم يوصف من تطويله بالنهار ما وُصِف بالليل، واللَّه أعلم. انتهى.

وقال العلامة الشوكانيّ في شرح حديث: "أفضل الصلاة طول القنوت" -أي القيام- ما نصُّهُ: والحديث يدلّ على أن القيام أفضل من السجود والركوع وغيرهما، وإلى ذلك ذهب جماعة، منهم: الشافعي كما تقدم، وهو الظاهر، ولا يعارض حديثُ الباب، وما في معناه الأحاديثَ المتقدمة في فضل السجود؛ لأن صيغة أفعل الدالّة على التفضيل، إنما وردت في فضل طول القيام، ولا يلزم من فضل الركوع والسجود أفضليتهما على طول القيام.

وأما حديث: "ما تقرَّب العبد إلى اللَّه بأفضل من سجود خَفِيّ"، فإنه لا يصحّ؛ لإرساله، كما قال الحافظ العراقيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، ولأن في إسناده أبا بكر بن أبي مريم، وهو ضعيف، وكذلك أيضًا لا يلزم من كون العبد أقرب إلى ربه حال سجوده أفضليته على القيام؛ لأن ذلك إنما هو باعتبار إجابة الدعاء.

وقال الحافظ العراقيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الظاهر أن أحاديث أفضلية طول القيام محمولة على صلاة النفل التي لا تُشْرَع فيها الجماعة، وعلى صلاة المنفرد، فأما الإمام في الفرائض والنوافل، فهو مأمور بالتخفيف المشروع، إلا إذا عَلِمَ من حال المأمومين المحصورين إيثار التطويل، ولم يَحْدُث ما يقتضي التخفيف، من بكاء صبيّ ونحوه، فلا بأس بالتطويل، وعليه يُحْمَل صلاته -صلى اللَّه عليه وسلم- في المغرب بـ "الأعراف"، كما تقدم. انتهى (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: عندي الأرجح قول من قال بأفضليّة القيام، كما هو مذهب الإمام الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-؛ لقوّة دليله، فقد صرّح -صلى اللَّه عليه وسلم- بقوله: "أفضل الصلاة القنوت"، ولأن صلاته -صلى اللَّه عليه وسلم- موصوفة بطول القيام، لا بكثرة السجود، فقد ثبت في "الصحيحين"، وغيرهما أنه كان يصلّي إحدى عشرة ركعةً، وثلاث


(١) "نيل الأوطار" ٣/ ٩٢ - ٩٣.