للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع عفا اللَّه عنه: ما قاله ابن الملك: أقرب لظاهر عموم النصّ، واللَّه تعالى أعلم.

[تنبيه]: "عليك" اسم فعل أمر، بمعنى "الْزَمْ"، منقولٌ من الجارّ والمجرور، قال في "الخلاصة":

وَالْفِعْلُ مِنْ أَسْمَائِهِ "عَلَيْكَا" … وَهَكَذَا "دُونَكَ" مَعْ "إِلَيْكَا"

ويتعدّى بنفسه، نحو عليك زيدًا، أي الزمه، فـ "زيدًا" منصوب على المفعوليّة، ويتعدّى بالباء أيضًا، كما في هذا الحديث، وكحديث: "فعليك بذات الدين"، فيكون بمعنى استمسك مثلًا، وقيل: إن الباء زائدة؛ لأنها تزاد كثيرًا في مفعول اسم الفعل؛ لضعف عمله، وأما الكاف فهي ضمير عند الجمهور، لا حرف خطاب، كما هو مبسوط في محلّه من كتب النحو.

(فَإنَّكَ) الفاء للتعليل، أي إنما أمرتك بكثرة السجود؛ لأنك (لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً) مفعول مطلق أريد به بيان الوحدة، أي سجدة واحدةً (إِلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً) "إلا" أداة استثناء مُلغاة، والجملة في محلّ نصب على الحال، و"درجةً" منصوب على التمييز.

والمعنى: إنك لا تسجد سجدة واحدة للَّه تعالى، إلا في حال كون اللَّه تعالى رافعًا إياك بسببها درجةً.

وذلك أنه لما تواضع للَّه تعالى غاية التواضع بوضع أشرف أعضائه، وهو الوجه على الأرض، وباعد نفسه عن الكبر جازاه اللَّه تعالى بأن رفع درجته.

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: سبب الحثّ على كثرة السجود ما سبق في الحديث الماضي: "أقربُ ما يكون العبد من ربه، وهو ساجد"، وهو موافق لقول اللَّه تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ}، ولأن السجود غاية التواضع والعبودية للَّه تعالى، وفيه تمكين أعزّ أعضاء الإنسان، وأعلاها، وهو وجهه من التراب الذي يُدَاسُ، ويُمْتَهَن. انتهى (١).

ولفظ النسائيّ: فقال: عليك بالسجود، فإني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "ما من عبد يسجد للَّه سجدةً، إلا رفعه اللَّه عزّ وجلّ بها درجةً، وحطّ عنه بها خطيئة".


(١) "شرح النوويّ" ٤/ ٢٠٦.