للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ورواية أبي النضر عند أبي عوانة في "مسنده" (١)، ورواية معاذ عند الإسماعيليّ، ثلاثتهم عن شعبة التصريح بسماع قتادة له من أنس -رضي اللَّه عنه- (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ) أي كونوا متوسّطين في حالة السجود بين الافتراش والقبض، بوضع الكفّين على الأرض، ورفع المرفقين عنها، وعن الجنبين، والبطن عن الفخذين رفعًا بليغًا بحيث تظهر بواطن آباطكم إذا لم تكن مستورةً؛ إذ هو أشبه بالتواضع، وأبلغ في تمكين الجبهة والأنف من الأرض، وأبعد من هيئة الكسالى (٢).

والحاصل أن الاعتدال المطلوب هنا غير الاعتدال المطلوب في الركوع، فإنه هناك استواء الظهر والعنق، والمطلوب هنا ارتفاع أسافل البدن على أعاليه.

وقال الإمام ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: لعل الاعتدال ها هنا محمول على أمر معنويّ، وهو وضع هيئة السجود موضع الشرع، وعلى وفق الأمر، فإن الاعتدال الْخَلْقِيّ الذي طلبناه في الركوع لا يتأدى في السجود، فإنه ثمة استواء الظهر والعنق، والمطلوب هنا ارتفاع الأسافل على الأعالي، حتى لو تساويا ففي بطلان الصلاة وجهان لأصحاب الشافعيّ.

ومما يقوي هذا الاحتمال أنه قد يُفْهَم من قوله عقب ذلك: "ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب" أنه كالتَّتِمَّة للأول، وإن الأول كالعلة له، فيكون الاعتدال الذي هو فعل الشيء على وفق الشرع علةً لترك الانبساط كانبساط الكلب، فإنه منافٍ لوضع الشرع، وقد ذُكِر في هذا الحديث الحكم مقرونًا بعلّته، فإن التشبيه بالأشياء الخسيسة مما يناسب تركه في الصلاة، ومثل هذا التشبيه أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمّا قَصَد التنفير عن الرجوع في الهبة، قال: "مثل الراجع في هبته، كالكلب يعود في قيئه". انتهى كلام ابن دقيق العيد (٣)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا، واللَّه تعالى أعلم.

(وَلَا) ناهية، ولذا جزم بها قوله: (يَبْسُطْ) بضمّ السين المهملة، من باب


(١) راجع: "مسند أبي عوانة" ١/ ٥٠١.
(٢) راجع: "المرعاة" ٣/ ٢٠٧.
(٣) "إحكام الأحكام" ٢/ ٣٥٥ - ٣٥٦ بنسخة "الحاشية".