للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نصر (أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ) أي لا يجعل ذراعيه على الأرض كالبساط والفراش.

ويجوز أن تكون "لا" نافية، والفعل بعدها مرفوع، ويكون النفي بمعنى النهي، بل هو أبلغ، كما أسلفنا وجهه غير مرّة، لكن هذا إن صحّت الرواية به، وإلا فما صحّت الرواية به هو المتعيّن، فتنبّه لذلك، واللَّه تعالى أعلم.

وقوله: (انْبِسَاطَ الْكَلْبِ") بالنصب على المصدريّة، أي مثل انبساط الكلب، وهو وضع الكفّين مع المرفقين على الأرض، و"الانبساط" مصدر فعل محذوف، تقديره: ولا يبسط ذراعيه، فينبسط انبساط الكلب.

قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هو مصدر على غير لفظ الفعل، وفعله ينبسط، لكن لَمّا كان انبسط من بَسَطَ جاء المصدر عليه، كقوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (١٧)} [نوح: ١٧]، وقوله: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا} [آل عمران: ٣٧]، كأنه قال: أنبتكم، فنبتم نباتًا، وأنبتها، فنبتت نباتًا، وفي الآية الثانية شاهدان (١).

قال: ومثل هذا الحديث نهيه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع، ولا شكّ في كراهية هذه الهيئة، ولا في استحباب نقيضها، وهو التجنيح المذكور في الأحاديث بعد هذا من فعله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو التفريج والتخوية، قاله القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٢).

[تنبيه]: هل عطف جملة "ولا يبسط أحدكم انبساط الكلب" على جملة "اعتدلوا في السجود" من قبيل عطف التفسير والبيان على معنى أن الأمر بالشيء نهي عن ضدّه، فيكون المراد من الاعتدال في السجود رفع المرفقين عن الأرض، والتجنيح الآتي في الروايات الآتية؟، أو هو من قبيل الأمر بأشياء، والنهي عن ضدّ واحد منها لمزيد العناية به، فيكون المراد من الاعتدال في السجود وضع جميع أعضاء السجود في مواضعها المطلوبة؟.

قال بعضهم: الظاهر الأول. انتهى (٣).


(١) أي في قوله: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ}، إذ التقدير -واللَّه أعلم-: فقُبلت بقبول حسن.
(٢) "المفهم" ٢/ ٩٦.
(٣) انظر: "فتح المنعم" ٣/ ٦٧.