للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

واستحباب ضدّها أنه إذا جنّح كان اعتماده على يديه، فيخفّ اعتماده حينئذ على وجهه، ولا يتأثّر أنفه، ولا جبهته، ولا يتأذّى بملاقاة الأرض، فلا يتشوّش هو في الصلاة، وكان أشبه بهيئات الصلاة، واستعمال كلّ عضو فيها بأدبه، بخلاف ما إذا بسط ذراعيه، وضمّ عضديه لجنبيه، فإنه يكون اعتماده على وجهه، وحينئذ يتأذّى، ويُخاف عليه التشويش، وأيضًا هذه هي صفات الكسلان المتهاون بحاله، مع ما فيها من التشبّه بالسباع والكلاب، كما نهي عن التشبّه بها في الإقعاء. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، بزيادة من كلام القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١)، وهو بحثٌ نفيسٌ.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم الاعتدال في السجود:

قال الإمام الترمذيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- بعد إخرج الحديث: إن العمل على هذا عند أهل العلم يختارون الاعتدال في السجود. انتهى.

قال الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وهذا يُشعر بحكاية الإجماع عليه، وهو قول جمهور العلماء، وروي ذلك عن عليّ، وابن عبّاس، وابن عمر -رضي اللَّه عنهم-، وفي "المسند" عن شعبة مولى ابن عبّاس، قال: جاء رجل إلى ابن عبّاس، فقال: إن مولاك إذا سجد وضع رأسه وذراعيه وصدره بالأرض، فقال له ابن عباس: ما يَحملك على ما تصنع؟ قال: التواضع، قال: هكذا رَبْضَةُ الكلب، رأيت النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا سجد رُؤي بياض إبطيه.

قال: ولكن روي عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أنه كان يَفرش ذراعيه، قال الإمام أحمد في رواية ابنه عبد اللَّه: كان ابن مسعود يذهب إلى ثلاثة أشياء: إلى التطبيق، وإلى افتراش الذراعين، وإذا كانوا ثلاثة يقوم في وسطهم، وقد رُوي عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه كان يُجافي في السجود، ولم تبلغه هذه الآثار. انتهى (٢).

وروى ابن أبي شيبة من غير وجه، عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أنه قال: اسجدوا حتى بالمرفق. وبإسناده عن الحكم بن الأعرج، قال: أخبرني من رأى أبا ذرّ -رضي اللَّه عنه- مسوّدًا ما بين رسغه إلى مرفقه.


(١) "إكمال المعلم" ٢/ ٤٠٧، و"المفهم" ٢/ ٩٦.
(٢) "فتح الباري" لابن رجب ٧/ ٢٧٩ - ٢٨٠.