للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الثواب والجزاء، فَحَقَّ ذلك، ووجَبَ بحكم وعده الصدق، وقولِهِ الحقِّ الذي لا يجوز عليه الكذب في الخبر، ولا الخلف في الوعد، فالله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - لا يجب عليه شيء بحكم الأمر، إذ لا آمر فوقه، ولا بحكم العقل؛ لأنه كاشف لا موجب، انتهى (١).

وقال ابن أبي العزّ رحمه الله تعالى في "شرح الطحاويّة" معلِّقًا على هذا الحديث: فهذا حقّ وجب بكلماته التامّة، ووعده الصادق، لا أن العبد نفسه مستحقّ على الله شيئًا، كما يكون للمخلوق على المخلوق، فإن الله تعالى هو المنعم على العباد بكل خير، وحقّهم الواجب بوعده هو أن لا يُعذبّهم، ولقد أحسن القائل [من الكامل]:

مَا لِلْعِبَادِ عَلَيْهِ حَقٌّ وَاجِبُ … كَلَّا وَلَا سَعْيٌ لَدَيْهِ ضَائِعُ

إِنْ عُذِّبُوا فَبِعَدْلِهِ أَوْ نُعِّمُوا … فَبِفضْلِهِ وَهُوَ الْكَرِيمُ السَّامِعُ

وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: كون المطيع يستحقّ الجزاء هو استحقاق إنعام وفضل، ليس هو استحقاق مقابلة، كما يستحقّ المخلوق على المخلوق، فمن الناس من يقول: لا معنى للاستحقاق إلَّا أنه أخبر بذلك، ووعدُهُ صدقٌ، ولكن أكثر الناس يُثبتون استحقاقًا زائدًا على هذا، كما دلّ عليه الكتاب والسنّة، قال تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: ٤٧]، لكن أهل السنّة يقولون: هو الذي كتب على نفسه الرحمة، وأوجب على نفسه الحقّ، لَمْ يوجبه عليه مخلوقٌ، والمعتزلة يدّعون أنه واجبٌ عليه بالقياس على المخلوق، وأن العباد هم الذين أطاعوه بدون أن يَجعلهم مطيعين له، وأنهم يستحقّون الجزاء بدون أن يكون هو الموجب، وغَلِطوا في ذلك، وهذا الباب غَلِطَت فيه الجبريّة، والقدريّة، أتباع جهم، والقدريّة النافية. انتهى (٢).

وقال في "الفتح": تمسك بعض المعتزلة بظاهره، ولا مُتَمَسَّكَ لهم فيه؛ لأن المراد بالحقّ هنا المتحقق الثابت، أو الجدير، لأن إحسان الربّ لمن لَمْ يتخذ ربًّا سواه جديرٌ في الحكمة أن لا يعذبه، أو المراد أنه كالواجب في


(١) "المفهم" ١/ ٢٠٣.
(٢) راجع "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد" ص ٤٨ - ٤٩.