للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْعِبَاد، أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا)، المراد بالعبادة عملُ الطاعات، واجتناب المعاصي، ولقد أحسن الإمام ابن القيّم رحمه الله تعالى حيث عرّف العبادة بتعريف جامع مانع، فقال في "نونيّته":

وَعِبَادَةُ الرَّحْمَانِ غَايَةُ حُبِّهِ … مَعَ ذُلِّ عَابِدِهِ هُمَا قُطْبَانِ

وَعَلَيْهِمَا فَلَكُ الْعِبَادَةِ دَائِرٌ … مَا دَارَ حَتَّى قَامَتِ الْقُطْبَانِ

وَمَدَارُهُ بِالأَمْرِ أَمْرِ رَسُولِهِ … لَا بِالْهَوَى وَالنَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ

وإنما عَطَفَ عليها عدم الشرك؛ لأنه تمام التوحيد، والحكمة في عطفه على العبادة أن بعض الْكَفَرة كانوا يَدَّعُون أنهم يعبدون الله، ولكنهم كانوا يعبدون آلهة أخرى، فاشتَرَطَ نفي ذلك.

وجملة "لا يُشركون إلخ" حالية، والتقدير: يعبدونه في حال عدم الإشراك به، قال ابن حبان رحمه الله تعالى: عبادة الله إقرار باللسان، وتصديق بالقلب، وعمل بالجوارح، ولهذا قال في الجواب: "في حق العباد إذا فعلوا ذلك"، فَعَبَّرَ بالفعل، ولم يُعَبِّر بالقول، ذكره في "الفتح" (١).

وقال في موضع آخر: اقتصر على نفي الإشراك؛ لأنه يستدعي التوحيد باقتضاء، وششدعي إثبات الرسالة باللزوم؛ إذ من كذّب رسول الله، فقد كذّب الله، ومن كذّب الله فهو مشرك، أو هو مثلُ قول القائل: من توضّأ صحّت صلاته، أي مع سائر الشرائط، فالمراد من مات حال كونه مؤمنًا بجميع ما يجب الإيمان به. انتهى (٢).

(ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ"، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى الله، إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟)، أي العبادة، مع عدم الشرك (قَالَ) - رضي الله عنه - (قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ")، وفي رواية ابن حبان من طريق عمرو بن ميمون: "أن يغفر لهم، ولا يعذبهم وفي رواية أبي عثمان: "يُدخِلهم الجَنَّة"، وفي رواية أبي الْعَوّام مثله، وزاد: "ويغفر لهم وفي رواية عبد الرَّحمن بن غَنْم: "أن يدخلهم الجَنَّة".

قال القرطبي رحمه الله تعالى: حَقُّ العباد على الله: ما وَعَدَهم به من


(١) "الفتح" ١١/ ٤١٢ - ٤١٣.
(٢) "الفتح" ١/ ٢٧٥.