للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال الحريريّ في "ملحته":

وَحَذْفُ "يَا" يَجُوزُ فِي النِّدَاءِ … كَقَوْلِهِمْ "رَبِّ اسْتَجِبْ دُعَائِي"

أي: يا رسول الله (وَسَعْدَيْكَ) هو مثل"لبيك"، ومعناه إسعادًا لك بعد إسعاد، وقال النوويّ: معنى"سعديك": أي ساعدت طاعتك مساعدةً بعد مساعدة.

(ثُمَّ سَارَ) - صلى الله عليه وسلم - (سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - (يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ)، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ) - صلى الله عليه وسلم - (سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: "يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ"، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ) إنما كرر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - نداء معاذ - رضي الله عنه - ثلاثًا؛ لتأكيد الاهتمام بما يُخبره به، وليكمل تَنَبُّهُ معاذٍ فيما يَسمعه، وقد ثبت في "الصحيح" أنه - صلى الله عليه وسلم -: "كان إذا تكلَّم بكلمة أعادها ثلاثًا"، لهذا المعنى، والله تعالى أعلم.

(قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - (هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ؟)، قال القرطبيّ رحمه الله تعالى: حقّ الله على عباده: ما أوجبه عليهم بحكمه، وألزمهم إِيَّاهُ بخطابه انتهى (١).

وقال صاحب "التحرير": اعلم أنّ الحقّ كلُّ موجودٍ متحققٍ، أو ما سيوجد لا مَحَالةَ، والله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - هو الحق الموجود الأزليّ الباقي الأبديّ، والموت والساعة والجنة والنار حقٌّ؛ لأنَّها واقعة لا مَحالَةَ، وإذا قيل للكلام الصدقِ: حقٌّ، فمعناه أن الشيء الْمُخْبَرَ عنه بذلك الخبر واقع، متحققٌ، لا تردُّد فيه، وكذلك الحق المستَحَقُّ على العبد من غير أن يكون فيه تردد وتحير، فحقُّ الله تعالى على العباد، معناه ما يستحقه عليهم مُتَحَتِّمًا عليهم، وحق العباد على الله تعالى معناه أنه متحققٌ لا مَحَالةَ، هذا كلام صاحب "التحرير".

وقال غيره: إنما قال: "حقهم على الله تعالى" على جهة المقابلة لحقه عليهم، ويجوز أن يكون من نحو قول الرجل لصاحبه: حَقُّكَ واجب علي، أي متأكد قيامي به، ومنه قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "حَقٌّ على كلّ مسلم أن يغتسل في كلّ سبعة أيام"، والله تعالى أعلم، ذكره النوويّ في "شرحه" (٢).

(قَالَ) معاذ - رضي الله عنه - (قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - (فَإِنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى


(١) "المفهم" ١/ ٢٠٣.
(٢) "شرح مسلم" ١/ ٢٣١.