الخليل: هذا من قولهم: دار فلان تلبّ داري: أي تحاذيها، أي مواجهك بما تُحبّ إجابةً له، والياء للتثنية، وقال ابن الأنباريّ في "لبيك" أربعة أقوال:
[أحدها]: إجابتي لك، مأخوذ من لَبَّ بالمكان، وألبّ به: إذا أقام به، وقالوا: لبيك، فثنَّوْا؛ لأنهم أرادوا إجابةً بعد إجابةٍ، كما قالوا: حَنَانَيْكَ: أي رحمةَّ بَعد رحمةٍ، وقال بعض النحويين: أصل "لبيك" لبّبك، فاستُثقل الجمع بين ثلاث باءات، فأبدلوا من الثالثة ياء، كما قالوا: تظنّيتُ، أصله تظَنّنْتُ.
[والثاني]: اتّجاهي يا ربّ، وقصدي لك، فثُنّيَ للتأكيد؛ أخذًا مَن قولهم: داري تلبّ دارك، أي تواجهها.
[والثالث]: محبّتي لك يا ربّ، من قول العرب: امرأةٌ لَبّةٌ: إذا كانت محبّةً لولدها، عاطفةً عليه.
[والرابع]: إخلاصي له يا ربّ، من قوله: حَسَبٌ لُبَابٌ إذا كان خالصًا محضًا، ومن ذلك لُبُّ الطعام، ولبابه (١).
[تنبيه]: "لبيك" من المصادر التي يجب حذف فعلها، ونصبه، وكان حقّه أن يقال: لَبًّا لك، ولكنه ثُنّي على معنى التأكيد، فأصله "لبّين"، فحذفت النون للإضافة، كما في "الخلاصة":
نُونًا تَلِي الإِعْرَابَ أَوْ تَنْوِينَا … مِمَّا تُضِيفُ احْذِفْ كَـ "طُورِ سِينَا"
قال الفراء: نُصِب على المصدريّة، وقال ابن السكِّيت: كقولك: حمدًا وَشكرًا.
وهو من الأسماء الملازمة للإضافة إلى الضمير، كَـ "سَعْدَيك"، كما قال في "الخلاصة" أيضًا:
وَبَعْضُ مَا يُضَافُ حَتْمًا امْتَنَعْ … إِيلَاؤُهُ اسْمًا ظَاهِرًا حَيْثُ وَقَعْ
كَـ "وَحْدَ" "لَبَّى" وَ"دَوَالَيْ" "سَعْدَيْ" … وَشَذَّ إِيلَاءُ "يَدَيْ" لِـ "لَبَّيْ"
(رَسُولَ اللهِ) بالنصب على أنه منادى حُذف منه حرف النداء، وهو جائزٌ، كما قال في "الخلاصة":
وَغَيْرُ مَنْدُوبٍ وَمُضْمَرٍ وَمَا … جَا مُسْتَغَاثًا قَدْ يُعَرَّى فَاعْلَمَا
(١) راجع: "عمدة القاري" ٢/ ٢٠٦.