للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "الدَّفْعَة" بالفتح: المرّة، وبالضمّ: اسمٌ لما يُدفع بمرّة، يقال: دَفَعتُ من الإناء دَفْعَةً بالفتح بمعنى المصدر، وجمعُها دَفَعَاتٌ، مثلُ سَجْدة وسَجَدَات، وبَقِيَ في الإناء دُفْعَةٌ بالضمّ: أي مقدارٌ يُدفع. انتهى (١). (فَمَثَلَ قَائِمًا) أي انتصب الشابّ قائمًا، يقال: مَثَلَ بين يديه مُثُولًا: من باب قَعَد: إذا انتصب قائمًا، قاله في "المصباح" (٢)، وزاد في "القاموس": "مَثُل" بضمّ المثلّثة، ككرُم.

فـ "قائمًا" حال مؤكّد لعامله، وهو "مَثَلَ"، على حدّ قوله تعالى: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}، قال ابن مالك في "خلاصته":

وَعَامِلُ الْحَالِ بِهَا قَدْ أُكِّدَا … فِي نَحْوِ"لَا تَعْثَ فِي الأَرْضِ مُفْسِدَا"

(فَنَالَ) الشابّ (مِنْ أَبِي سَعِيدٍ) -رضي اللَّه عنه- أي أصاب من عِرْضه بالشتم، أو نحوه، وهو من النيل، وهو الإصابة (ثُمَّ زَاحَمَ النَّاسَ، فَخَرَجَ) أي من المسجد.

قال الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وفيما فعله أبو سعيد -رضي اللَّه عنه- دليلٌ على دفع المارّ بين المصلّي، وبين سترته، وإن ازدحم الناس، ولم يجد المارّ سبيلًا سوى ذلك، ويدلّ عليه أيضًا قول النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو يعلم المارّ بين يدي المصلّي ماذا عليه، لكان أن يقِفَ أربعين خيرٌ له من أن يمرّ"، فإنه يدلّ على أن وقوفه أربعين ينتظر مسلكًا يُباح له المرور فيه خيرٌ له من المرور بين يدي المصلّي، وإن لم يجد طريقًا غيره.

وقد قال بعض الشافعيّة والمالكيّة، والحنابلة: لا يكره المرور حينئذ، ولا يمنع منه، قال الحنابلة: لكن يضع المارّ شيئًا يمرّ من ورائه، أو يخطّ خطًّا إذا لم يجد.

قال: والرجوع إلى ما فَهِمه الصحابيّ من الحديث الذي رواه، وعمل به مستدلًّا به أولى.

قال: وقول النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا كان أحدكم يصلّي، فلا يدع أحدًا يمُرّ بين يديه، وليدرأ ما استطاع" أمرٌ بدفع المارّ، ونهي عن تمكينه من المرور، وظاهره الوجوب، وقد وقع في كلام ابن عبد البرّ ما يقتضيه، وأنه لا يعلم فيه خلافًا،


(١) "المصباح" ١/ ١٩٦.
(٢) راجع: "المصباح" ٢/ ٥٦٤.