ووقع في كلامه أيضًا ما يقتضي أنه على الندب دون الوجوب. انتهى كلام ابن رجب (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد أجاد الحافظ ابن رجب في تحقيقه هذا.
أما أوّلًا فإن ما فهمه أبو سعيد -رضي اللَّه عنه- من أن الدفع على إطلاقه، سواء كان للمارّ مندوحة أم لا؟ هو الحق الذي ينبغي أن لا يُتجاوز إلى غيره إلا بدليل أوضح منه، من نصّ أو إجماع؛ لأن الصحابي من أهل اللسان يفهم دقائق اللغة العربيّة، ويفهم حقائق الشريعة، حيث جالس صاحبها -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفهم مقاصده، فينبغي أن يُقدّم على فهم غيره، واللَّه تعالى أعلم.
وأما ثانيًا فقوله:"وظاهره الوجوب"، هو الذي سبق لنا ترجيحه، وإن كان الأكثرون على خلافه؛ لأن الأمر والنهي للوجوب والتحريم، ما لم يصرفهما صارف، ولم يذكر القائلون بالندبيّة هنا صارفًا معتبرًا، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.
(فَدَخَلَ عَلَى مَرْوَانَ) هو مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أُميّة الأمويّ، أبو عبد الملك المدنيّ، يقال: إنه رأى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قاله الواقديّ، ولم يَحفَظ منه شيئًا، توُفّي النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو ابن ثمان سنين، ولي الخلافة في آخر سنة (٦٤)، ومات بدمشق لثلاث خلون من رمضان سنة (٦٥ هـ) وهو ابن (٦١ أو ٦٣) سنة، وله ذكر عند المصنّف، وأخرج له البخاريّ، والأربعة.
(فَشَكَا إِلَيْهِ) أي إلى مروان (مَا) موصولة، أي الذي (لَقِيَ) بفتح أوله، وكسر ثانيه، من باب تعب، أي أصابه من أبي سعيد من الدفع على نحره (قَالَ) أبو صالح (وَدَخَلَ أَبُو سَعِيدٍ) -رضي اللَّه عنه- (عَلَى مَرْوَانَ، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: مَا لَكَ)"ما" استفهاميّة مبتدأ، و"لك" خبره وقوله: (وَلابْنِ أَخِيكَ) عطف على "لك" بإعادة الخافض، وهو لازم عند جمهور النحاة، خلافًا لابن مالك، كما أشار إليه في "الخلاصة" بقوله: