للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأطلق الأُخُوّة باعتبار الإيمان، وهذا يؤيّد أن المارّ غير الوليد؛ لأن أباه عُقبة قُتل كافرًا، واستَدَلَّ الرافعيّ بهذه القضة على مشروعية الدفع، ولو لم يكن هناك مَسْلَكٌ غيره، خلافًا لإمام الحرمين.

وقوله: (جَاءَ يَشْكُوكَ؟) أي يُخبر عنك بسوء فعلك به، وفي بعض النسخ: "يشتكيك"، وهو بمعناه، قال في "المختار": شكاه، من باب عَدَا وشِكَايَةً بالكسر، وشَكِيّةً، وشكاةً بالفتح: أي أخبر عنه بسوء فعله به، فهو مَشْكُوٌّ، ومَشْكيٌّ، والاسم: الشَّكْوَى، وأشكاه: فَعَلَ به فعلًا أحوجه إلى أن يشكوه، وأشكاه أيضًا: أعتبه من شكواه، ونزع عنه شِكايته، وأزاله عمّا يشكوه، وهو من الأضداد، واشتكاه مثلُ شكاه. انتهى (١). وأفاد في "القاموس" أن شَكَيت بالياء لغة في شَكَوت بالواو (٢).

والجملة محلّ نصب على الحال من "ابن أخيك".

(فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ) -رضي اللَّه عنه- (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُولُ: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ) قال ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ولو أخذ من هذا جواز التستّر بالأشياء عمومًا، لكان فيه ضعفٌ؛ لأن مقتضى العموم جواز المقاتلة عند وجود كل شيء ساتر، لا جواز الستر بكلّ شيء، إلا أن يُحمل الستر على الأمر الحسيّ، لا الأمر الشرعيّ، وبعض الفقهاء كَرِه التستّر بآدميّ، أو حيوان غيره؛ لأنه يصير في صورة المصلّي إليه، وكرهه مالك في المرأة. انتهى (٣).

(فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ) أي يمرّ (بَيْنَ يَدَيْهِ) أي بينه وبين الساتر الذي أمامه، وليس المراد ما يعم ما وراء السترة؛ لأن المرور وراءها جائز، كما تقدّم في حديث طلحة -رضي اللَّه عنه- حيث قال: "ولا يبالي مَن مرّ وراء ذلك". (فَلْيَدْفَعْ فِي نَحْرِهِ) أي صدر مريد المرور (فَإِنْ أَبَى) أي امتنع عن الرجوع (فَلْيُقَاتِلْهُ) بكسر لام الأمر، وسكونها (فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ") أي لكونه متمرّدًا عن الاستجابة لترك المنكر، فكلّ من عَتَى، وتَمَرّد عن الحقّ، فهو شيطان، أو المراد أن الذي حمله على هذا العصيان شيطانه الذي تسلّط عليه، ويؤيّد هذا حديث ابن


(١) "مختار الصحاح" (ص ١٦٩).
(٢) "القاموس المحيط" ٤/ ٣٥٠.
(٣) "إحكام الأحكام" ٢/ ٤٥٤ بنسخة الحاشية.