للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وتَعَقَّب ذلك ابن القطان، فقال: ليس خطأُ ابن عيينة فيه بمتعين؛ لاحتمال أن يكون أبو جهيم بَعَثَ بُسرًا إلى زيد، وبعثه زيد إلى أبي جهيم، يَستثبِت كلُّ واحد منهما ما عند الآخر.

قال الحافظ: تعليل الأئمة للأحاديث مبنيّ على غلبة الظنّ، فإذا قالوا: أخطأ فلان في كذا، لم يتعين خطؤه في نفس الأمر، بل هو راجح الاحتمال، فَيُعْتَمَدُ، ولولا ذلك لما اشتَرَطوا انتفاء الشذوذ، وهو ما يخالف الثقة فيه مَن هو أرجح منه في حدّ الصحيح. انتهى (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد تقدّم في شرح المقدّمة أن اشتراط انتفاء الشذوذ في حدّ الصحيح بمعنى المخالفة المذكورة فيه نظر؛ لأنه ينافي قبول زيادة الثقة، وإنما الصحيح انتفاء العلّة، فراجع ما كتبته هناك، تجد تحقيقًا نفيسًا، وباللَّه تعالى التوفيق.

وحاصل الاختلاف هنا أن يرجّح ما قاله ابن معين: من أن ابن عيينة أخطأ في هذا، وأما ما جمع به ابن القطّان، فلا يخفى ما فيه من التكلّف، واللَّه تعالى أعلم.

ثم رأيت كلامًا للحافظ ابن رجب يؤيّد هذا، حيث قال في "شرح البخاريّ": ورواه ابن عيينة، عن سالم أبي النضر، عن بسر بن سعيد، قال: أرسلني أبو الجهيم أسأل زيد بن خالد الجهنيّ: ما سمعتَ من النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول؟ فذكره من رواية زيد بن خالد، عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، كذا رويناه في "مسند الحميديّ" عن سفيان، وكذا خرّجه ابن ماجه عن هشام بن عمّار، عن ابن عيينة، إلا أنه قال: أرسلوني إلى زيد بن خالد أسأله، ولم يذكر من أرسله، وذكر أن الشكّ في تمييز الأربعين من ابن عيينة، وهذا كلُّه وَهَمٌ.

وممن نصّ على أن جعل الحديث من مسند زيد بن خالد، عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَهَمٌ من ابن عُيينة وخطأٌ؛ ابنُ معين في رواية ابن أبي خيثمة، وأشار إليه الإمام أحمد في رواية حنبل.

وقد اضطرب ابن عيينة في لفظه وإسناده، ولم يحفظه جيّدًا.


(١) "الفتح" ١/ ٦٩٦.