للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

و (البيهقيّ) في "الكبرى" (٢/ ٢٧٢)، و (البغويّ) في "شرح السنّة" (٥٣٦)، واللَّه تعالى أعلم.

(المسألة الثالثة): قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا الحديث يدلّ على استحباب القرب من السترة، كما جاء عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- نصًّا: "إذا صلى أحدكم إلى سُتْرَة، فَلْيَدْنُ منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته"، رواه أبو داود، والنسائيّ بسند صحيح.

قال: ولا يُعارَضُ حديث ممرّ الشاة بحديث صلاة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في الكعبة، إذ جَعَل بينه وبين الجدار قدر ثلاثة أذرع؛ إذ قد حَمَل بعض المشايخ حديث مَمَرّ الشاة على ما إذا كان قائمًا، وحديث ثلاث أذرع على ما إذا ركع، أو سجد، قال: ولم يَحُدّ مالك في هذا حدًّا، إلا أن ذلك بقدر ما يركع فيه ويسجد، ويتمكن من دفع مَن يمر بين يديه، وقد قدّره بعض الناس بقدر شبر، وآخرون بثلاثة أذرع، وكلّ ذلك تحكّمات. انتهى (١).

وقال الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ-: حديث سهل -رضي اللَّه عنه- يدلّ على أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يصلّي قريبًا من الجدار، بحيث لا يكون بين موقفه وبين الجدار غير قدر ما تَمُرّ فيه الشاة.

قال: وفي القرب من السترة أحاديث أُخَرُ:

فمنها: ما أخرجه البخاريّ من حديث موسى بن عقبة، عن نافع، أن عبد اللَّه بن عمر، كان إذا دخل الكعبة، مَشَى قِبَلَ وجهه حين يدخل، وجَعَل الباب قِبَل ظهره، فمشى حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قِبَل وجهه قريبًا من ثلاثة أذرع صلى، يتوخى المكان الذي أخبره به بلال أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى فيه".

ومنها: ما ورد في الأمر بالدنوّ من السترة، من غير تقدير بشيء، فروى نافع بن جبير، عن سهل بن أبي حَثْمة، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا صلى أحدكم إلى سترة، فَلْيَدْن منها، لا يقطعُ الشيطان عليه صلاته" (٢)، أخرجه أحمد، وأبو داود، والنسائيّ، وابن حبّان في "صحيحه".

وذكر أبو داود في إسناده اختلافًا، وكذلك البخاريّ في "تاريخه"، وقد روي أيضًا عن نافع بن جبير مرسلًا، وفيه: "فإن الشيطان يمرّ بينه وبينها"،


(١) "المفهم" ٢/ ١٠٧.
(٢) حديث صحيح.