وقال مهنّا: سألت أحمد عن الرجل يصلي كم يكون بينه وبين القبلة؟ قال: يدنو من القبلة ما استطاع، ثم قال: إن ابن عمر قال: صلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الكعبة، فكان بينه وبين الحائط ثلاثة أذرع.
وقال الأثرم: سئل أبو عبد اللَّه عن مقدار ما بين المصلي وبين السارية؟ فذكر حديث ابن عمر هذا، قيل له: يكون بينه وبين الجدار إذا سجد شبر؟ قال: لا أدري ما شبر؟ قال الأثرم: ورأيته يتطوّع وبينه وبين القبلة شيء كثير، أذرع ثلاثة، أو أكثر.
قال ابن عبد البرّ: ولم يحُدّ مالك في ذلك حدًّا، ثم أشار ابن عبد البرّ إلى أن الآخذين بحديث سهل بن سعد الذي أخرجه البخاري في قدر ممرّ الشاة أولى، وقال في موضع آخر: حديث ابن عمر أصحّ إسنادًا من حديث سهل، وكلاهما حسنٌ.
قال ابن رجب: ولو جُمع بين حديث سهل وحديث ابن عمر، فأُخذ بحديث ابن عمر في النافلة، وحديث سهل في الفريضة، لكان له وجهٌ، فإن صلاة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في الكعبة كانت تطوّعًا، وسهل إنما أخبر عن مقام النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في مسجده الذي كان يصلي فيه بالناس الفرائض. انتهى كلام ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: أن العمل بما دلّ عليه حديث سهل، وحديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهم- هو الحقّ، فكلّ ما مرَّ من الأقوال، والتقديرات، كتقدير بعضهم بستة أذرع، أو غير ذلك مخالف للسنة.
ولا تعارض بين الحديثين، فكلاهما ثابت من فعله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد بيّن لنا بفعله مقدار القرب من السترة الذي أمر به بقوله، فكان مقداره ممرّ الشاة، وجوّز الزيادة عليه، إلى ثلاثة أذرع، فالأولى للمصلي القرب منها بمقدار ممرّ الشاة، وإن تباعد بمقدار ثلاثة أذرع فلا بأس.
والحاصل أن أرجح المذاهب -كما قدّمناه- وجوب الصلاة إلى السترة مطلقًا، ووجوب الدنوّ منها، بهذا المقدار، وذلك لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بهما، وأمره