للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بحسب ما يظهر لأحدهم أنه وافٍ به، والحامل لأكثرهم على ذلك أنهم كانوا يكتبون، ويطول الزمان، فيتعلّق المعنى بالذهن، فيرتسم فيه، ولا يستحضر اللفظ، فيحدّث بالمعنى لمصلحة التبليغ، ثم يظهر من سياق ما هو أحفظ منه أنه لم يُوَفّ بالمعنى. قاله في "الفتح" (١).

(وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ) أي الخوف الذي يقذفه اللَّه تعالى في قلوب أعدائه (وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ) هو بمعنى الرواية السابقة: "وبُعثت إلى كلّ أحمر وأسود"، والرواية الأخرى: "بُعِثت إلى الناس"، وبمعنى قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} الآية [سبأ: ٢٨]، وقوله: (كَافَّةً) أي جميعًا.

قال الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية: يقول تعالى لعبده ورسوله محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} أي إلا إلى جميع الخلائق من المكلفين، كقوله تبارك وتعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}، {بَشِيرًا وَنَذِيرًا}: أي تبشر من أطاعك بالجنة، وتنذر من عصاك بالنار.

قال محمد بن كعب في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} يعني إلى الناس عامّة، وقال قتادة في هذه الآية: أرسل اللَّه تعالى محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى العرب والعجم، فأكرمُهم على اللَّه تبارك وتعالى أطْوَعُهم للَّه عزَّ وجلَّ. انتهى (٢).

[فائدة]: قال في "اللسان": الكافّة: الجماعةُ، وقيل: الجماعة من الناس، يقال: لقيتهم كافةً، أي كلهم، وقال أبو إسحاق في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} قال: "كافّة" بمعنى الجميع والإحاطة، فيجوز أن يكون معناه: ادخلوا في السلم كله، أي في جميع شرائعه، ومعنى "كافة" في اشتقاق اللغة: ما يَكُفُّ الشيءَ في آخره، من ذلك كُفّة القميص، وهي حاشيته، وكلُّ مستطيل فحَرْفُهُ كُفّةٌ -بالضمّ- وكلُّ مستدير كِفّة -بالكسر- نحو كِفّة الميزان. انتهى (٣).


(١) "الفتح" ١٥/ ١٧٣.
(٢) "تفسير ابن كثير" ٣/ ٥٣٩.
(٣) "لسان العرب" ٩/ ٣٠٥.