رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يومًا كالمودِّع، فقال:"أنا محمد النبي الأميّ -ثلاثًا- ولا نبيّ بعدي، أوتيت فواتح الكلم وجوامعه وخواتمه، وعُلِّمت كم خزنة النار، وحملة العرش، وتُجُوز بي، وعوفيت، وعوفيت أمتي، فاسمعوا وأطيعوا، ما دمت فيكم، فإذا ذُهِب بي فعليكم بكتاب اللَّه تعالى، أَحِلّوا حلاله، وحَرِّموا حرامه"، تفرد به الإمام أحمد، وفيه سنده ابن لهيعة، والكلام فيه مشهور.
ثم قال ابن كثير -رَحِمَهُ اللَّهُ-: والأحاديث في هذا كثيرة، فمِن رحمة اللَّه تعالى بالعباد إرسال محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- إليهم، ثم من تشريفه لهم خَتْمُ الأنبياء والمرسلين به، وإكمال الدين الحنيف له، وقد أخبر اللَّه تبارك وتعالى في كتابه، ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في السنة المتواترة عنه، أنه لا نبيّ بعده؛ ليعلموا أن كُلَّ مَن ادَّعَى هذا المقام بعده، فهو كذّاب أفّاك دجّال ضالّ مضلّ، ولو تَخَرَّق، وشَعْبَذ، وأَتَى بانواع السحر والطلاسم والنَّيرجيّات، فكلها مُحَالٌ وضلالٌ عند أولي الألباب، كما أجرى اللَّه عزَّ وجلَّ على يد الأسود العنسيّ باليمن، ومسيلمة الكذاب باليمامة، من الأحوال الفاسدة، والأقوال الباردة، ما عَلِمَ كلُّ ذي لُبّ وفَهْمٍ وحِجًى أنهما كاذبان ضالان، لعنهما اللَّه، وكذلك كلُّ مُدَّع لذلك إلى يوم القيامة، حتى يُخْتَمُوا بالمسيح الدجال، فكلُّ واحد من هؤلاء الكذابين يَخْلُق اللَّه تعالى معه من الأمور ما يشهد العلماء والمؤمنون بكذب من جاء بها، وهذا من تمام لطف اللَّه تعالى بخلقه، فإنهم بضرورة الواقع لا يأمرون بمعروف، ولا ينهون عن منكر، إلا على سبيل الاتفاق، أو لما لهم فيه من المقاصد إلى غيره، ويكون في غاية الإفك والفجور في أقوالهم وأفعالهم، كما قال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢)} [الشعراء: ٢٢١، ٢٢٢] الآية، وهذا بخلاف حال الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- فإنهم في غاية البرّ والصدق والرشد والاستقامة والعدل فيما يقولونه ويفعلونه، ويأمرون به، وينهون عنه، مع ما يُؤَيَّدون به من الخوارق للعادات، والأدلة الواضحات، والبراهين الباهرات، فصلوات اللَّه وسلامه عليهم دائمًا مستمرًّا، ما دامت الأرض والسموات. انتهى كلام ابن كثير باختصار (١)، وهو بحثٌ نفيسٌ، وتحقيقٌ