وذكر في "الفتح" أيضًا: أن البخاريّ أخرج في "التاريخ الصغير" عن ابن شهاب: قال: كان بين ليلة العقبة -يعني الأخيرة- وبين مُهَاجَر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ثلاثة أشهر، أو قريب منها.
قال الحافظ: هي ذو الحجة، والمحرم، وصفر، لكن كان مَضَى من ذي الحجة عشرة أيام، ودخل المدينة بعد أن استهَلّ ربيع الأول، فمهما كان الواقع أنه اليوم الذي دخل فيه من الشهر يُعْرَف منه القدر على التحرير، فقد يكون ثلاثة سواء، وقد ينقص، وقد يزيد؛ لأن أقلّ ما قيل: إنه دخل في اليوم الأول منه، وأكثر ما قيل: إنه دخل الثاني عشر منه. انتهى (١).
[تنبيه]: ذكر الحافظ العراقيّ في "ألفيّة السيرة" خبر وُصُوله -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى قباء، ثم إلى المدينة، فأجاد في ذلك وأفاد، فقال:
حَتَّى إِذَا أَتَى إِلَى قُبَاءِ … نَزَلَهَا بِالسَّعْدِ وَالْهَنَاءِ
فِي يَوْمِ الاثْنَيْنِ لِثِنْتَي عَشْرَهْ … مِنْ شَهْرِ مَوْلِدٍ فَنِعْمَ الْهِجْرَهْ
أَقَامَ أَرْبَعًا لَدَيْهِمْ وَطَلَعْ … فِي يَوْمِ جُمْعَةٍ فَصَلَّى وَجَمَعْ
فِي مَسْجِدِ الْجُمْعَةِ وَهْيَ أَوَّلُ … مَا جَمَّعَ النَّبِيُّ فِيمَا نَقَلُوا
وَقِيلَ بَلْ أَقَامَ أَرْبَعَ عَشْرَهْ … فِيهِمْ وَهُمْ يَنْتَحِلُونَ ذِكْرَهْ
وَهْوَ الَّذِي أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ … لَكِنَّ مَا مَرَّ مِنَ الإِتْيَانِ
لِمَسْجِدِ الْجُمْعَةِ يَوْمَ جُمْعَةِ … لَا يَسْتَقِيِمُ مَعَ هَذِي الْمُدَّةِ
إِلَّا عَلَى قَوْلٍ بِكَوْنِ الْقَدْمَةِ … إِلَى قُبَا كَانتْ بِيَوْمِ الْجُمْعَةِ
بَنَى بِهَا مَسْجِدَهُ وَارْتَحَلَا … لِطَيْبَةَ الْفَيْحَاءِ طَابَتْ نُزُلَا
فَبَكَتْ نَاقَتُهُ الْمَأْمُورَهْ … بِمَوْضِعِ الْمَسْجِدِ فِي الظَّهِيرَهْ
فَحَلَّ فِي دَارِ أَبِي أَيُّوبَا … حَتَّى ابْتَنَى مَسْجِدَهُ الرَّحِيبَا
وَحَوْلَهُ مَنَازِلًا لأَهْلِهِ … وَحَوْلَهُ أَصْحَابُهُ فِي ظِلِّهِ
طَابَتْ بِهِ طَيْبَةُ مِنْ بَعْدِ الرَّدَى … أَشْرَقَ مَا قَدْ كَانَ مِنْهَا أَسْوَدَا
كَانَتْ لَمِنْ أَوْبَأِ أَرْضِ اللَّهِ … فَزَالَ دَاؤُهَا بِهَذَا الْجَاهِ
وَنَقَلَ اللَّهُ بِفَضْلِ رَحْمَةِ … مَا كَانَ مِنْ حُمَّى بِهَا لِلْجُحْفَةِ
(١) "الفتح" ٧/ ٢٩١.