للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وَبِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ) بالبناء للمفعول أيضًا، قال ابن بطال -رَحِمَهُ اللَّهُ-: لم أَجِد في نبش قبور المشركين لتُتَّخَذ مسجدًا نصًّا عن أحد من العلماء، نعم اختلفوا هل تُنْبَش بطلب المال؟ فأجازه الجمهور، ومنعه الأوزاعيّ، وهذا الحديث حجة للجواز؛ لأن المشرك لا حرمة له حيًّا ولا ميتًا، قاله في "الفتح" (١).

(وَبِالْخِرَبِ فَسُوِّيَتْ) أي وأمر بالخِرَب أن تُسوّى، أي تُعَدَّل، فسُوّيت، أي فعُدِّلت، يقال: سَوَّيتُ المكان: إذا عدّلته (٢)، وإنما أَمَر بذلك لتستوي الأرض، فتصلح لبناء المسجد عليها.

(قَالَ) أنس -رضي اللَّه عنه- (فَصَفُّوا النَّخْلَ) من صَفَّ القومَ، من باب ردّ: إذا أقامهم صفًّا واحدًا، قاله في "المختار" (قِبْلَةً) منَصوب الظرفيّة على حذف مضاف، أي جهة قبلة، وفي نسخة: "قبلةً له"، وفي رواية البخاريّ: "فَصَفّوا النخل قبلةَ المسجد"، والمراد أنهم جعلوها سواري جهة القبلة؛ ليُسقف عليها، أفاده في "المنهل".

وفي "مغازي ابن بكير" عن ابن إسحاق: "جُعِلَت قبلةُ المسجد من اللَّبِنِ"، ويقال: بل من حجارة منضودة، بعضها على بعض، وفي "صحيح البخاريّ" عن ابن عمر -رضي اللَّه عنه-: أن المسجد كان على عهده -صلى اللَّه عليه وسلم- مَبْنِيًّا باللَّبِن، وسَقْفُهُ الجريد، وعَمَدُهُ خَشَب النخل، ولم يزد فيه أبو بكر شيئًا.

قال في "العمدة": ولعل المراد بالقبلة جهتها، لا القبلة المعهودة اليوم، فإن ذلك لم يكن ذلك الوقت.

وورد أيضًا أنه كان في موضع المسجد الغرقد، فأَمَر أن يُقْطَع، وكان في المربد قبور جاهليةٌ، فأَمر بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فنُبِشت، وأَمَر بالعظام أن تُغَيَّب، وكان في المربد ماء مُسْتَنْجِلٌ، فستره حتى ذهب، وهو: من النجل وهو الماء القليل، وجعلوا طوله مما يلي القبلة إلى مؤخره مائة ذراع، وفي هذين الجانبين مثل ذلك، فهو مربع، ويقال: كان أقل من المائة، وجعلوا الأساس قريبًا من ثلاثة أذرع على الأرض بالحجارة، ثم بنوه باللَّبِن، وجعل النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ينقل معهم اللَّبِن والحجارة بنفسه، ويقول:


(١) ٧/ ٣١٢.
(٢) "المصباح" ١/ ٢٩٨.