للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الحافظ: وكذا ضُبِط في "سنن أبي داود"، وحَكَى الخطابيّ أيضًا كسر أوله، وفتح ثانيه، جمع خِرَبةٍ، كعِنَب وعِنَبَة، وللكشميهنيّ "حَرْثٌ" بفتح الحاء المهملة، وسكون الراء، بعدها مثلثة، وقد بَيَّن أبو داود أن رواية عبد الوارث بالمعجمة والموحدة، ورواية حماد بن سلمة، عن أبي التياح بالمهملة والمثلثة، فعلى هذا فرواية الكشميهنيّ وَهَمٌ؛ لأن البخاريّ إنما أخرجه من رواية عبد الوارث.

وقال الخطابيّ: أكثر الرواة بالفتح ثم الكسر، وحُدِّثناه "الخِرَب" بالكسر ثم الفتح، ثم حَكَى احتمالات: منها "الْخُرْب"، بضم أوله، وسكون ثانيه، قال: هي الخروق المستديرة في الأرض، و"الْجِرَف"، بكسر الجيم، وفتح الراء، بعدها فاء: ما تجرفه السيول، وتأكله من الأرض، و"الْحَدَب"، بالمهملة وبالدال المهملة أيضًا: المرتفع من الأرض، قال: وهذا لائق بقوله: "فَسُوِّيت"؛ لأنه إنما يُسَوَّى المكان المحدوب، وكذا الذي جرفته السيول، وأما الخراب فيُبنى، ويُعَمَّر دون أن يُصْلَح، ويُسَوَّى.

وتعقّبه الحافظ، فقال: وما المانع من تسوية الخراب، بأن يزال ما بقي منه، ويُسَوّى أرضه، ولا ينبغي الالتفات إلى هذه الاحتمالات، مع توجيه الرواية الصحيحة. انتهى (١).

وقال في "العمدة" بعد ذكر ما قاله الخطابيّ: قال عياض: هذا التكلف لا حاجة إليه، فإن الذي ثبت في الرواية صحيح المعنى، كما أَمَر يقطع النخل لتسوية الأرض، أمر بالْخِرَب فرُفِعت رسومها، وسُوِّيت مواضعها؛ لتصير جميع الأرض مبسوطةً، مستوية للمصلين، وكذلك فُعِل بالقبور، وفي "مصنف ابن أبي شيبة" بسند صحيح: "وأَمَر بالحرث، فحُرِث"، وهو الذي زعم ابن الأثير أنه روي بالحاء المهملة، والثاء المثلثة، يريد الموضع المحروث للزراعة (٢).

(فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِالنَّخْلِ فَقُطِعَ) بالبناء للمفعول، أي أمر بقطع النخل، فقُطع، وهذا كما قال في "الفتح" محمول على أنه لم يكن يُثمر، أو يُثمر، ولكن دعت الحاجة إليه؛ ليُمكن بناء المسجد في ذلك المكان. انتهى.


(١) "الفتح" ٧/ ٣١٢.
(٢) "عمدة القاري" ٤/ ٢٦٢.