للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرقًا وغربًا، وشَمالًا وجنوبًا، ولا يُستثنى من هذا شيءٌ، سوى النافلة حال السفر، فإنه يصلّيها حيثما توجّه قالبه، وقلبه نحو الكعبة، وكذا في حال المسايفة في القتال يصلي على كل حال، وكذا من جهل القبلة يصلي باجتهاده، وإن كان مخطئًا في نفس الأمر؛ لأن اللَّه تعالى لا يكلّف نفسًا إلا وسعها. انتهى (١).

(فَنَزَلَتْ) أي هذه الآية الكريمة (بَعْدَمَا صَلَّى النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-) أي صلاة الظهر؛ لأن أول صلاة صلّاها إلى الكعبة بعد التحويل هي العصر، كما بُيّنت في رواية البخاريّ، ولفظه: عن البراء قال: لَمّا قَدِم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة صلى نحو بيت المقدس ستة عشر، أو سبعة عشر شهرًا، وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة، فأنزل اللَّه تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة: ١٤٤]، فوجّه نحو الكعبة، وصلى معه رجل العصر، ثم خرج، فَمَرّ على قوم من الأنصار، فقال: هو يشهد أنه صلى مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنه قد وُجّه إلى الكعبة، فانحرفوا، وهم ركوع في صلاة العصر. انتهى.

فتبيّن بهذا أن قوله هنا: "بعدما صلى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-" يريد صلاة الظهر؛ لأن العصر صلّاها إلى الكعبة بعد التحويل.

[تنبيه]: اختَلَفت الرواية في الصلاة التي تحولت القبلة عندها، وكذا في المسجد، فظاهر حديث البراء -رضي اللَّه عنه- هذا أنها العصر، وذكر محمد بن سعد في "الطبقات" قال: يقال: إنه صلى ركعتين من الظهر في مسجده بالمسلمين، ثم أُمر أن يتوجه إلى المسجد الحرام، فاستدار إليه، ودار معه المسلمون، ويقال: زار النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أم بشر بن البراء بن مَعْرور في بني سَلِمَة، فصنعت له طعامًا، وحانت الظهر، فصلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بأصحابه ركعتين، ثم أُمر، فاستدار إلى الكعبة، واستقبل الميزاب، فسُمِّي مسجد القبلتين، قال ابن سعد: قال الواقديّ: هذا أثبت عندنا.

وأخرج ابن أبي داود بسند ضعيف، عن عمارة بن رُوَيبة: كنا مع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في إحدى صلاتي العشيّ حين صُرِفت القبلة، فدار، ودُرْنا معه في ركعتين.


(١) "تفسير ابن كثير" ١/ ٢٧٦.