الجنّ والإنس، قال تعالى: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥)} ثم فَسَّر الناس بالجنّ والإنس، فقال: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦)}، وسُمِّي الجن ناسًا كما سُمُّوا رجالًا، قال تعالى:{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ}[الجن: ٦]، وكانت العرب تقول: رأيت ناسًا من الجنّ، ويصغر الناس على نُوَيس، لكن غَلَب استعماله في الإنس، قاله الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).
وقوله:(مِنَ الأَنْصَارِ) متعلّق بمحذوف صفة لـ "ناس"، وهم بنو حارثة، كما في "الفتح".
(وَهُمْ يُصَلُّونَ) جملة حاليّة من "ناس"(فَحَدَّثَهُمْ) وفي بعض النسخ: "فحدّثهم بالحديث"، يعني أنه ذكر لهم خبر تحويل القبلة، وفي رواية البخاريّ:"فقال لهم: أشهد باللَّه، لقد صلّيتُ مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قِبَلَ مكة"(فَوَلَّوْا) بفتح اللام المشدّدة، وإنما لم تُضمّ اللام مع أنها قبل واو الضمير، وما قبلها يُضمّ؛ لكونها لم تقع قبله في التقدير؛ إذ أصلها وَلَّيُوا بوزن كَلَّمُوا، فقُلبت الياء ألفًا؛ لتحرّكها، وانفتاح ما قبلها، ثم حُذفت؛ لالتقاء الساكنين، فصارت ما قبل الوا ومحذوفًا، ومعناه: حوّلوا (وُجُوهَهُمْ، قِبَلَ) بكسر القاف، وفتح الموحّدة، أي جهة (الْبَيْتِ) أي الكعبة؛ لأنه صار علَمًا لها بالغلبة، كما قال في "الخلاصة":
وفي رواية للبخاريّ:"فداروا كما هم قبل البيت"، وقد جاء بيان كيفيّة التحوّل في حديث تُويلة بنت أسلم عند ابن أبي حاتم، وقد تقدم بعضه قريبًا، وقالت فيه:"فتحوّل النساء مكان الرجال، والرجال مكان النساء، فصلّينا السجدتين الباقيتين إلى البيت الحرام".
قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وتصويره أن الإمام تحوّل من مكانه في مقدم المسجد إلى مؤخر المسجد؛ لأن مَن استقبل الكعبة استدبر بيت المقدس، وهو لو دار كما هو في مكانه لم يكن خلفه مكان يسع الصفوف، ولما تحوّل الإمام تحوّلت الرجال حتى صاروا خلفه، وتحولت النساء حتى صِرْن خلف الرجال.