قال الجامع عفا اللَّه عنه: طريق الجمع بين روايتي العصر والصبح أن التي صلاها الرجل مع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- هي العصرُ، ثم مَرّ على قوم من الأنصار في تلك الصلاة، وهي العصر، فهذا من رواية البراء -رضي اللَّه عنه-.
وأما رواية ابن عمر وأنس -رضي اللَّه عنهم- أنها الصبح فهي صلاة أهل قباء في اليوم الثاني.
والحاصل أن الذين مَرّ بهم في العصر ليسوا أهل قباء، وإنما هم أهل مسجد بالمدينة، وهم بنو حارثة، على ما قيل، فمَرَّ عليهم وهم في صلاة العصر، وأما أهل قباء، فأتاهم الآتي في صلاة الصبح، من اليوم الثانيّ، كما جاء مُصَرَّحًا به في الروايات.
وهذا هو الحقّ والصواب في الجمع بين الروايات، خلاف ما ادّعاه بعضهم من ترجيح رواية الصبح؛ لأنها من رواية صحابيين: ابن عمر وأنس، كما سيأتي للمصنّف، وتضعيف رواية العصر؛ لكونها في بعض طرق حديث البراء -رضي اللَّه عنه- دون بعض؛ إذ في بعضها لم تُعيّن، وهذا رأي ضعيفٌ؛ إذ فيه تضعيف ما جاء في "الصحيح" بدون مقتضٍ لذلك؛ لأن الجمع واضح على الوجه الذي أسلفناه، فما الداعي إلى التضعيف؟، فتبصّر بالإنصاف، واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
(فَانْطَلَقَ) أي ذهب (رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ) أي الذين صلّوا معه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلاة العصر قبل الكعبة، وهذا الرجل هو: عبّاد بن بشر بن قَيْظِيّ، كما رواه ابن مندهْ من حديث تُوَيلة بنت أسلم، وكانت من المبايعات، ذكره الفاكهي في "أخبار مكة"، وقيل: هو: عبّاد بن نَهِيك -بفتح النون، وكسر الهاء- ابن إساف الْخَطْميّ، صلى إلى القبلتين مع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ركعتين إلى بيت المقدس، وركعتين إلى الكعبة يومَ صُرِفت، قاله ابن عبد البرّ، وفيه قول ثالث: إنه عباد بن وهب -رضي اللَّه عنه- (١).
(فَمَرَّ بِنَاسِ)"الناس": اسم وُضِع للجمع، كالقوم، والرهط، وواحده: إنسان من غير لَفظه، مُشْتَقّ من ناس ينوس: إذا تَدَلَّى وتَحَرَّك، فيُطْلَق على