للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأجيب من جهة الشافعيّ بأنه إنما نُسخ قرآن بقرآن، وأن الأمر كان أولًا بتخيير المصلي أن يولي وجهه حيث شاء بقوله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥]، ثم نسخ باستقبال القبلة.

وأجاب بعضهم بأن قوله تعالى: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [الأنعام: ٧٢] مُجْمَل فُسِّر بأمور، منها: التوجه إلى بيت المقدس، فيكون كالمأمور به لفظًا في الكتاب، فيكون التوجمه إلى بيت المقدس بالقرآن بهذه الطريقة، وباحتمال أن المنسوخ كان قرآنًا نُسِخ لفظه.

وقال بعضهم: النسخ كان بالسنة، ونزل القرآن على وفقها.

ورُدّ الأول والثاني بأنا لو جوّزنا ذلك لأفضى إلى أن لا يُعْلَم ناسخ من منسوخ بعينه أصلًا، فإنهما يطّردان في كل ناسخ ومنسوخ، والثالث مجرد دعوى فلا تقبل.

قالوا: قال اللَّه تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤]، وصفه بكونه مبنيًا، فلو جاز نسخ السنة بالقرآن، لم يكن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مبينًا، واللازم باطل، فالملزوم مثله، أما الملازمة فلأنه إذا أثبت حكمًا، ثم نسخه اللَّه تعالى بقوله، لم يتحقق التبيين منه؛ لأن المنسوخ مرفوع لا مُبَيَّن؛ لأن النسخ رفع لا بيان، وأما بطلان اللازم، فلقوله: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤] حيث وصفه بكونه مبيّنًا.

قلنا: لا نسلم الملازمة؛ لأن المراد بالتبيين البيان، ولا نسلم أن النسخ ليس ببيان، فإنه بيان لانتهاء أمر الحكم الأول.

ولئن سلّمنا أن النسخ ليس ببيان، وأن المراد منه بيان العام والمجمل والمنسوخ وغيرهما، لكن نُسَلِّم (١) أن الآية تدل على امتناع كون القرآن ناسخًا للسنة.

وقالوا: لو جاز ذلك لزم تنفير الناس عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعن طاعته؛ لأنه يوهم أن اللَّه تعالى لم يَرْضَ بما سنّه الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، واللازم باطل؛ لأنه مناقض للبعثة، فالملزوم كذلك.


(١) هكذا نسخة "العمدة"، والظاهر أن "لا" سقطت منه، أي لا نسلّم. . . إلخ.