للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قلنا: الملازمة ممنوعة؛ لأنه إذا عُلِم أنه مُبَلِّغ عن اللَّه تعالى فلا تنفير، ولا تَنَفُّر؛ لأن الكل من عند اللَّه تعالى، قاله في "العمدة" (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي ذكره في "العمدة" بحث نفيسٌ، وقد ذكرت في "شرح النسائيّ" بحثًا مطوّلًا في هذه المسألة، فراجعه تستفد، وباللَّه تعالى التوفيق.

٤ - (ومنها): جواز النسخ بخبر الواحد، قال القاضي عياض: وإليه مال القاضي أبو بكر وغيره من المحققين، ووجهه أن العمل بخبر الواحد مقطوع به، كما أن العمل بالقرآن والسنة المتواترة مقطوع به، وأن الدليل الموجب لثبوته أولًا غير الدليل الموجب لنفيه وثبوت غيره (٢).

وقال في "الفتح": وفيه قبول خبر الواحد، ووجوب العمل به، ونسخ ما تقرر بطريق العلم به؛ لأن صلاتهم إلى بيت المقدس كانت عندهم بطريق القطع؛ لمشاهدتهم صلاة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى جهته، ووقع تحوّلهم عنها إلى جهة الكعبة بخبر هذا الواحد.

وأجيب بأن الخبر المذكور احتَفّت به قرائن ومقدمات، أفادت القطع عندهم بصدق ذلك المخبر، فلم يُنسخ عندهم ما يفيد العلم إلا بما يفيد العلم.

وقيل: كان النسخ بخبر الواحد جائزًا في زمنه -صلى اللَّه عليه وسلم- مطلقًا، وإنما منع بعده، ويحتاج إلى دليل. انتهى.

وقال الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ويُستدلّ بالحديث على أن حكم الخطاب لا يتعلّق بالمكلّف قبل بلوغه إياه، ويستدلّ به على قبول خبر الواحد الثقة في أمور الديانات مع إمكان السماع من الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- بغير واسطة، فمع تعذّر ذلك أولى وأحرى.

وما يقال من أن هذا يلزم منه نسخ المتواتر، وهو الصلاة إلى بيت المقدس بخبر الواحد، فالتحقيق في جوابه أن خبر الواحد يفيد العلم إذا احتفّت به القرائن، فنداء الصحابيّ في الطرق والأسواق بحيث يسمعه المسلمون كلّهم بالمدينة، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بها موجود، لا يتداخل من سمعه


(١) "عمدة القاري" ١/ ٣٨٧ - ٣٨٨.
(٢) راجع: "إكمال المعلم" ٢/ ٤٤٥.