وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فيه جواز تسمية الصبح غداة، وهذا لا خلاف فيه، لكن قال الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: سمّاها اللَّه تعالى "الفجر"، وسمّاها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "الصبح"، فلا أُحبّ أن تُسمّى بغير هذين الاسمين. انتهى (١).
وقال في "الفتح": وهذا فيه مغايرة لحديث البراء -رضي اللَّه عنه- المتقدم فإن فيه أنهم كانوا في صلاة العصر.
والجواب أنه لا منافاة بين الخبرين؛ لأن الخبر وَصَلَ وقت العصر إلى مَن هو داخل المدينة، وهم بنو حارثة، وذلك في حديث البراء، والآتي إليهم بذلك عباد بن بِشْر، أو ابن نَهِيك كما تقدم، ووصل الخبر وقت الصبح إلى مَن هو خارج المدينة، وهم بنو عمرو بن عوف أهل قباء، وذلك في حديث ابن عمر، ولم يُسَمّ الآتي بذلك إليهم، وإن كان ابن طاهر وغيره نقلوا أنه عباد بن بشر، ففيه نظرٌ؛ لأن ذلك إنما ورد في حقّ بني حارثة في صلاة العصر، فإن كان ما نَقُلوا محفوظًا فيَحْتَمِل أن يكون عباد أتى بني حارثة أوّلًا في وقت العصر، ثم توجه إلى أهل قباء فأعلمهم بذلك في وقت الصبح.
ومما يدلّ على تعددهما أن مسلمًا رَوَى في هذا الباب من حديث أنس أن رجلًا من بني سَلِمَةَ مَرّ وهم ركوع في صلاة الفجر، فهذا موافق لرواية ابن عمر في تعيين الصلاة، وبنو سَلِمَة غير بني حارثة، قاله في "الفتح".
قال الجامع عفا اللَّه عنه: هكذا جمع في "الفتح"، وهو عندي جمع حسنٌ، إلا أن ابن رجب استبعده، والغريب أنه مع استبعاده لم يذكر لهذا الاختلاف هذا جمعًا، فتأمّل.
(بِقُبَاءٍ) متعلّق بمحذوف، خبر للمبتدأ، و"قُباء" بضمّ القاف، وتخفيف الموحّدة، والمدّ والصرف، وهو الأشهر، ويجوز فيه القصر، وعدم الصرف، وهو يُذَكَّر ويؤنث: موضع معروف بظاهر المدينة، والمراد هنا مسجد أهل قباء، ففيه مجاز الحذف.
(إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ) قال العينيّ: هو عبّاد بن بشر (فَقَالَ) ذلك الآتي (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ) بالبناء للمفعول، ونائب فاعله ضمير يعود إلى