للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عباس -رضي اللَّه عنهما-: كان النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي بمكة نحو بيت المقدس، والكعبة بين يديه.

والجمع بينهما ممكن بأن يكون أمر -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمّا هاجر أن يستمرّ على الصلاة لبيت المقدس.

وأخرج الطبرانيّ من طريق ابن جريج قال: صلى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أول ما صلى إلى الكعبة، ثم صُرِف إلى بيت المقدس، وهو بمكة، فصلى ثلاث حِجَجٍ، ثم هاجر، فصلى إليه بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرًا، ثم وجّهه اللَّه إلى الكعبة.

فقوله في حديث ابن عباس الأول: "أَمَرَهُ اللَّه" يردُّ قول من قال: إنه صلى إلى بيت المقدس باجتهاد.

وقد أخرجه الطبريّ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف.

وعن أبي العالية أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى إلى بيت المقدس يتألّف أهل الكتاب، وهذا لا ينفي أن يكون بتوقيف. انتهى (١). وهو تحقيقٌ نفيسٌ.

(فَنَزَلَتْ) بالبناء للفاعل، والفاعل قوله: "قد نرى. . . إلخ"، محكيّ؛ لقصد لفظه، وأنّث الفعل باعتبار الآية، أي نزلت هذه الآية ({قَدْ} للتحقيق {نَرَى تَقَلُّبَ} أي تردّد وتصرّف {وَجْهِكَ فِي} جهة {السَّمَاءِ}) متطلّعًا ومتشوّقًا للأمر باستقبال الكعبة، وكان يودّ ذلك؛ لأنها قبلة إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، ولأنها أدعى إلى إسلام العرب؛ لأنها مفخرهم، ومزارهم، ومطافهم.

{فَلَنُوَلِّيَنَّكَ} أي لنحوّلنّك، وهو جواب قسم محذوف، أي فواللَّه لنولّينّك، وولّى يتعدّى لاثنين، فالأول الكاف، والثاني قوله: {قِبْلَةً} وقوله: {تَرْضَاهَا} صفة لـ "قبلةً"، أي تحبّها محبّة طبيعيّةً ودينيّة؛ لأنها قبلة إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وقبلته أيضًا قبل الهجرة على ما قيل، وكان -صلى اللَّه عليه وسلم- يحبّ أيضًا بيت المقدس من حيث امتثال الأمر باستقباله.

وقال النسفيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: {قِبْلَةً تَرْضَاهَا} أي تحبّها، وتميل إليها لأغراضك الصحيحة التي أضمرتها، ووافقت مشيئة اللَّه تعالى وحكمته. انتهى (٢).

قال بعضهم: قوله: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ} بشارة من اللَّه تعالى له -صلى اللَّه عليه وسلم- بما يُحبه


(١) "الفتح" ١/ ٥٩٩.
(٢) "تفسير النسفي" ١/ ٨١.